بعد اعترافه وتهنئته للفائز آداما بارو في الانتخابات, في مكالمة هاتفية بثها التلفزيون الوطني, عمت البلاد احتفالات ورقصات وخصوصا بعد إعلان النتائج. لكن, يوجد أيضا من الغامبيين والمراقبين من استقبل خطوة “يحيى جامي” بمزيج بين الفرحة والشكوك.
لم تدم هذه الاحتفالات سوى لأسبوع واحد؛ تراجع “جامي” عن اعترافه بالنتائج، زاعما أن هناك “تشوهات خطيرة وغير مقبولة” حدثت في العملية الانتخابية.
إن رفض جامع لتسليم السلطة قد يؤدي إلى دخول البلاد في فوضى عارمة, مما أدى بـأربعة من رؤساء دول غرب إفريقيا، لزيارة غامبيا في وقت سابق من الأسبوع الماضي في محاولة فاشلة لإقناعه بقبول النتائج وترك السلطة في الوقت المحدد. وفي الوقت نفسه، أبدى كل من الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وغيرهم, تأييدهم للفائز آداما بارو.
وفي داخل غامبيا, اتفقت عدة اتحادات ونقابات على إدانة خطوة “جامي” الخطيرة. فأصدرت غرفة التجارة واتحاد المعلمين، نقابة المحامين، نقابة الصحفيين واللجنة الانتخابية, بيانات مختلفة حول ضرورة قبول النتائج واحترام اختيار الغامبيين للقيادة الرئاسية.
وبالرغم من كثرة الإدانات الخارجية والداخلية، فما زالت هناك مجموعة معينة تقف إلى يحيى جامع في قراراته, وهم قوات الأمن. فعندما اعترف جامي في البداية بالهزيمة، هنأ قائد الجيش الجنرال “بادجي”، الفائزَ “آداما بارو”، وقدّم له ولاءه. وعندما تراجع “جامع” عن اعترافه، تراجع “بادجي” أيضا، مع استيلاء القوات المسلحة بعد ذلك بوقت قصير على مقر اللجنة الانتخابية.
قوات الأمن وحل أزمة غامبيا
من الطبيعي أن يكون جامي قد اكتسب ولاء القوات المسلحة, وخصوصا في ظل ترقية أفرادها الذين يثق بهم إلى مناصب عالية متعددة. في حين الذين يعارضونه داخل الجيش يتم التقلص من رتبتهم أو فصلهم أوحتى السجن والإعدام في بعض الحالات. بل وقد نجح “جامع” في تأسيس شبكة من مخبرين مجهولين داخل الأجهزة الأمنية مما يجعل الجنود دائما في حالة خوف وترقّب.
واكتسب جامي أيضا ولاء الجيش من قبل تجنيد غير الغاميين في القوات المسلحة. إذ تزعم تقارير أنه جنّد عناصر من جماعة متمردة انفصالية في إقليم كازامانس في جنوب السنغال. وفي حال صحة هذا الزعم, فإن هؤلاء الجنود من المرجح أن يكونوا أقل اهتماما بإرادة الشعب الغامبي ويكونوا أكثر استعدادا لمواصلة دعم جامع. إضافة إلى أن جامع نفسه فطن إلى اتباع استراتيجية عدم إبقاء كبار الضباط لفترة طويلة خوفا من تهديدهم لمنصبه ومصالحه. وبالتالي يمنحهم وظائف وزارية أو مناصب سفير في الخارج.
ولعلّ ما يقلق الجيش بعد نتائج الانتخابات وخسارة “جامي”, شكوكُهم حول مصير المؤسسة تحت القيادة الجديدة. لأن الجيش يعتبر نفسه مهمشا في عهد الرئيس السابق، داودا جاوارا. ولكن “جامع” منحهم عددا من الميزات بعد نجاح الانقلاب الذي قاده في عام 1994, وأنشأ وكالة الاستخبارات الوطنية (NIA) وشبه العسكرية سيئة السمعة “Jungulars”.
كما أن الأفراد داخل القوات المسلحة الغامبية قد يخافون أيضا عن مصيرهم الشخصي في ظل قيادة سياسية جديدة. إذ بعد فوز المعارضة, سرعان ما أعطى أعضاء في ائتلاف المعارضة تصريحاتهم وآرائهم حول ضرورة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في ظل نظام “جامع”. ومن شأن مثل هذا التحقيق أن يهدف إلى تسليط الضوء على المزاعم العديدة من التعذيب وقتل الصحفيين والشخصيات المعارضة والزعماء المحليين وغيرهم من قبل قوات أمن البلاد.
ومع ذلك، فإن هناك فريقا داخل الجيش يشعرون بعدم الرضا في حكم “يحيى جامي”. فمنذ توليه منصبه، واجه “جامي” ما لا يقل عن ثمانية (8) محاولات انقلابية، كان آخرها في عام 2014. وهذا يشير إلى أن هناك فصائل من الجيش تكمن سعادتهم في تنحيه ورحيله. هذا بغض النظر عن إشارات عديدة تخبر بأن هناك العديد من حالات انشقاق داخل الجيش.
كما أن سياسات “جامي” قد خلقت عددا من المشاكل العرقية في غالبية قطاعات البلاد, وخصوصا في الجيش. حيث يقوم بمنح عدد غير متدربين ومأهولين, مناصب عليا، لمجرد أنهم ينتمون إلى عرقيته “الجولا”. فكل من قائد الجيش الحالي، والحرس الجمهوري، ورئيس وكالة الاستخبارات الوطنية من عرقية الجولا. هذا بالإضافة إلى خطاب الكراهية الذي أدلى به جامع ضد مجموعة الماندينكا.
تتوقف أكبر نقطة حل في الأزمة الحالية بغامبيا, على موقف قوات أمن البلاد تجاه المواطنين في حال تظاهرهم ضد تمسك جامع بالسلطة, وما الذي سيكون ردّ فعل هذه القوات في ظل التدخل العسكري الإقليميي لإجباره بالرحيل. فكل هذه السيناريوهات خطرة للغاية, ورغم المفاوضات الإقليمية والتنديدات الدولية, إلا أنه لم يظهر بعد في الأفق أي حل سلمي.
لقد كانت جهود الوساطة الإقليمية التي تقودها “مجموعة ايكواس ECOWAS” تتركز في منح “جامي” الحصانة كي يغادر المنصب الرئاسي, ولكنها حتى الآن في حالة جمود. ويجب على الوساطة الأخذ في الاعتبار أهمية قوات الأمن في ضمان الانتقال السلمي، حيث قد تحتاج إلى توسيع مفاوضتها إلى مناقشة مستقبل كبار ضباط الجيش وأماكنهم في ظل الحكومة الجديدة.
وإذا تنازل “جامي” في نهاية المطاف، فستكون المهمة الأولى للرئيس الجديد “بارو” ؛ إقناع القوات المسلحة لأن يقبلوه ويذعنوا له كقائدهم الأعلى, ثم التعامل مع إرث جامع داخل الأجهزة الأمنية، حيث العديد من الهياكل والإجراءات المؤسسية تم تطويقها طبقا لمصالح “جامع” الشخصية.