تحول الرئيس الموريتاني السابق سيدي ولد الشيخ عبدالله إلى إمام مسجد قرية صغيرة جنوب نواكشوط، استقر بها منذ أن تمت الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 2008، وداوم ولد الشيخ عبدالله (72 عاماً) على حضور الصلاة في المسجد القريب من بيته بقرية "لمدن"، الى أن أصبح إماماً له، وبذلك يحقق ولد الشيخ عبدالله سبقاً جديداً فبعد أن كان أول رئيس مدني ينتخب في موريتانيا بشكل ديمقراطي وشفاف، حقق ولد الشيخ عبدالله سبقاً جديداً هذه المرة على مستوى العالم، حيث أصبح أول رئيس جمهورية في العالم يتولى إمامة المسجد.
صلاة مع المواطنين
وكان سيدي ولد الشيخ عبدالله المعروف بتدينه الشديد وميوله الصوفية قد أمر مباشرة بعد تسلمه الحكم ببناء مسجد كبير في القصر الرئاسي، وكان هذا المسجد أول تعديل في القصر الفخم الذي بناه الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع في آخر أيام حكمه، كما أعاد ولد الشيخ عبدالله عطلة نهاية الأسبوع إلى الجمعة بدل السبت، وكان يحرص قبل اكتمال بناء مسجد القصر الرئاسي على صلاة الجمعة في الجامع السعودي الذي يعد الأكبر في نواكشوط، وفاجأ ولد الشيخ عبدالله جموع المصلين بعد أسبوع واحد من تنصيبه رئيساً للجمهورية بدخول المسجد والاصطفاف مع المصلين دون إجراءات أمنية.
واستغل المواطنون وأصحاب الرسائل والطلبات هذا الوضع للسلام على الرئيس بعد الصلاة وتقديم شكاوى وطلبات كثيرة، وشكلت صلاة الرئيس مع المواطنين مثار جدل في موريتانيا، ففي حين رأى البعض أنها استغلال للدين في تحسين صورة الرئيس، اعتبرها آخرون علامة خير واستقامة وصلاح، وانتهى الجدل بانتهاء عملية بناء مسجد الرئاسة، حيث أصبح ولد الشيخ عبدالله يصلي دائماً في مسجد الرئاسة الذي ظل حكراً على كبار المسؤولين في الدولة وعمال القصر الرئاسي لاعتبارات أمنية.
ميول صوفية
وحكم سيدي ولد الشيخ عبدالله الذي ينتمي الى أسرة ذات مكانة دينية وصوفية مدة 14 شهراً قبل خلعه من قبل الجيش عام 2008، حيث فاز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في مارس 2007 بعد منافسة شرسة مع المعارضة، حيث لم تحسم نتيجة التصويت إلا في الجولة الثانية، ويعتبر أول رئيس مدني في موريتانيا يصل إلى الحكم بأصوات الناخبين، وتعتبر فترة حكمه ربيع الحريات والديمقراطية في موريتانيا بعد سنوات من حكم العسكر والانقلابات العسكرية، إلا أن تأزم الوضع السياسي والاقتصادي نتيجة توالي الأزمات وانتشار الفساد وتأثر مؤسسات الدولة بالحكم السابق أثر سلباً على أداء حكومة ولد الشيخ عبدالله وتسبب في خلعه من قبل الجيش.
واعتقل ولد الشيخ عبدالله هو ورئيس وزرائه في انقلاب قاده الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز في 6 أغسطس 2008، بسبب عزله لقادة الجيش الذين أصبحوا يتدخلون في الأمور السياسية، وقاوم ولد الشيخ عبدالله الانقلاب متحملاً السجن ثم الإقامة الجبرية وحظي بمساندة شعبية وحزبية قوية، لكنه آثر الاستقالة لتجنيب البلاد تداعيات الانقسام بسبب الانقلاب وإصرار العسكر على فرض الأمر الواقع.
وخلال مراسيم إعلان الاستقالة ألقى سيدي ولد الشيخ عبدالله خطاباً مؤثراً أعلن من خلاله تخليه الطوعي عن السلطة، وتعيين حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية المكلفة بإجراء الانتخابات، وفق الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة السنغالية داكار، وفي خطاب الاستقالة توجه الرئيس إلى كل من نالوا منه أو من زوجته بالعفو الشامل قائلاً: "إلى الذين حملتهم الظروف الاستثنائية التي مر بها البلد على النيل مني شخصياً أو من آخرين من حولي بسببي، فوجهوا إليّ وإلى من معي ومن حولي سهام الاتهام، دون بينة ولا برهان، وبالغوا في تحميلنا أوزاراً نحن منها براء.. إلى هؤلاء أتوجه فأقول: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. وثقوا بأنني سأخرج كما دخلت، سليم القلب، لا أضمر حقداً لأي موريتاني، وأتمنى للجميع كل الخير".
سكينة أصنيب للعربيه نت