لا أعرف مالذي سيطل به السيد الرئيس هذا المساء. ورغم التسريبات من هنا وهناك عن عزمه للدعوة إلى استفتاء بمشاركة ما يعرف ب"المعارضة المحاورة"، فإنني أتوقع من السيد الرئيس أن يفاجئنا بحلول جذرية شاملة للأزمة؛ أن يفاجئنا بأنه تخلى نهائيا عن هذا السبيل؛ وأنه بصدد الدعوة لحوار شامل؛ يضم الجميع ولا يتجاوز أحدا. الشعب الموريتاني شعب طيب، ولا يحب الحلول الإقصائية. ويفضل الحلول التوافقية المشتركة. وكل حل لا يأخذ برأي الجميع وموافقته، فقد يبقى آثارا للتصعيد، وثغورا للمفاجآت، وحججا للمتربصين.
ما تتوقعه كل موريتانيا، سيدي الرئيس، هو الدعوة إلى حوار شامل، يجمع كل الموريتانيين، بأحزابهم وهيئاتهم وتشكيلاتهم السياسية والنقابية والمدنية؛ وأن يتفقوا على ما يرونه الصالح من دون شروط أو إملاءات. فإن تك المصلحة العامة هي التي تجمعهم، فلن يستطيعوا إلا أن يتفقوا على أجندة واحدة من دون إقصاء ولا تجاوز...
إنني أرى، أن على الرئيس أن يبادر إلى هذا، وأن لا يسمع للذين يحثونه على التسرع والإقصاء.
الرئيس رئيس للجميع، وفوق الجميع، وليس عليه أن ينتصر لنفسه. حتى مع هذا الحرج الكبير من مجلس الشيوخ ورفضهم للتعديلات التي تلغي مجلسهم. فإنه على الرئيس أن يتقبل هذا، وأن لا يأخذ في الإنتقام أو السعي إليه.
هؤلاء قوم سياسة، وقد انتخبهم الشعب لتمثيله، ويعكسون جزءا من الإرادة الشعبية. ولديهم بعض المنطق والحجة في أن لا يتم إلغاؤهم بهذا التسرع وهذه الطريقة. من المناسب للرئيس الآن، أن يعرف أن هذه فرصة ملائمة لإعادة ترتيب البيت الداخلي. وأعني هنا مؤسسة الحزب، وكذا الحكومة، قبل أن يدعو إلى حوار شامل يشمل جميع أطياف الشعب الموريتاني.
على الرئيس أن يفهم أنه لا بد لأحد أن يتحمل المسئولية في هذا التدهور الأخير.ولا بد له أن يحاسب المسئولين عن هذا سواء من الحزب أو الحكومة (لا يتحمل أحد المسئولية خارج هاتين المؤسستين).
سيقول لك كثيرون إن المسئولية يتحملها هؤلاء الشيوخ، وسيحاول المتسلقون سواء من داخل النظام أو الحزب أو من الأحزاب "الهشة" المحاورة أن يستغلوا هذا الأمر لصالحهم ويدفعوك إلى السير في أجندتهم.. سيقولون لك إنهم توقعوا هذه "الخيانة"، وإن عليك معاقبتهم بصرامة وحسم..
ثم هناك السيد الرئيس شيء يجب أن تعلمه.. الحزب مؤسسة سياسية ويلزم أن تكون لها القدرة لتأطير الكادر السياسي وجعله يتحكم في اللعبة السياسية. هؤلاء الشيوخ أدركوا أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية حزب ورقي، من دون برنامج أو قوة أو تأثير في الميدان أو في الواقع. فالحكومة يجب أن تعكس مراكز النفوذ ومراكز القوى في الحزب. ونحن هنا في موريتانيا؛ الحزب في شأن، والحكومة في شأن آخر.. الحكومة يلزم أن تكون سياسية تمثيلية، ويلزم لمراكز القوى الحزبية أن ترى نفسها في الحكومة. هذا في كل الكون المعمور، وموريتانيا لا يمكن أن تكون استثناء وحدها. فإن كنا نتكلم عن حكومة ديمقراطية، فيلزم أن تكون تمثيلية لمراكز القوى في الحزب الذي تمثله. لا أن تكون حكومة من رجال لا يعرفون السياسة ولم يكونوا من خدمة العمل السياسي في الماضي ولا حتى في الحاضر..
البرلمان بغرفتيه رجال سياسة، بذلوا أموالهم وجاههم في التصدي للشأن العام،ونالوا شقة الشعب، ويتولون كثيرا من شؤون الشعب وحاجاته. يلزم أن يكون لهم دور في قيادة العمل السياسي. إن لم يروا أنفسهم، وهذه هي الحال، منذ بعض الوقت، فسيحاولون التعبير عن ذلك بحسب استطاعتهم. وطبعا يأتي رفض الشيوخ للتعديلات في هذا الإطار. لقد تم حشرهم في الزاوية، ورأوا أنك بصدد التخلص منهم نهائيا، فقاموا بهذا انتصارا لمصيرهم، وليس طبعا كرها لك أو نكاية فيك..
ما عليك السيد الرئيس هذا اليوم هو ترتيب البيت الداخلي.إصلاح الحزب، وتمكين قيادته المقبلة من الأدوات والصلاحيات لقيادة حزبية قوية، تمسك بالعصا بشكل سياسي مهني، وتمكين مراكز القوى المختلفة في الحزب وحسب تمثيلها الشعبي من أن ترى نفسها في الحكومة. والحكومة يلزم أن تكون تمثيلية للحزب والأحزاب المشكلة للتوليفة الرئاسية. ثم إنني أتمنى أن تدعو الشيوخ، وتتجاوز التعديلات بسيغتها الحالية، وتسألهم أنت مالمخرج الذي يريدونه؟
لا ضير إن تراجع الرئيس عن بعض عزمه إن تبدى له أنه غير صواب. أنت الرئيس وهؤلاء رجال سياسة، وطبعا كل هذه الألاعيب بهدف شيء ما. أفاوضهم عليه، وأساومهم ومااتفقت عليه معهم أنفذه. هذا في كل العالم، لن نستطيع نحن أن نكون استثناء.
لا يجوز أن تسمع إلى الذين يودونك أن تنخرط في حملة من تصفيات الحسابات مع الشيوخ أو غيرهم من مراكز القوى التقليدية القوية. أنت تحتاج هؤلاء في الحاضر وفي المدى القريب؛ وأي ثغرات، مع هذا الاستقطاب لن تستفيد أنت منه، وسيضيف نقاطا في رصيد المتربصين والمقاطعين..ويؤدي في فترة ما، إلى حراك لا يعرف أحد إلى أن يضع البلد!؟
لا تحتقر رجال السياسة، سواء شيوخا أو نوابا؛ ومكّن لهم، فلن تحكم بغير مؤازرتهم وحججهم، ولا يمكن أن تعتمد على حكومة غير سياسية، ولن يمكن للنظام أن يصمد فقط بقوة القبضة الأمنية. فمع الأيام، ومع تراكم غضب أهل السياسة ورجالها، وتهميشهم، فليس بالإمكان توقع القادم.
من المرجح جدا أنك لن تقرأ لها، وحتى لن تسمع به.. لكنني قرأته وسعيت أن أسمعكه.. ولا شك أنه ربما كان أحد من جوارك قد أشار إليك بشيء من هذا. أتمنى أن تسمع للتعقل والتبصر وأن تعرف أن البلد هش، ولا يحتمل السير في طريق الأجندة الأحادية لفترة طويلة.. لقد قلت قولي هذا... والله شهيد، والقراء شهداء.