"العقرب السام".. عمر سليمان.. جنرال المخابرات الغامض.. عنوان لكتاب صدر مؤخرا بالقاهرة عن دار "كنوز" لمؤلفه د/ محمد الباز.
يقع الكتاب في 320 صفحة من الحجم المتوسط ويحاول الرد على تساؤلات مزعجة من قبيل "..هل ما يزال عمر سليمان على قيد الحياة..؟ وهل كانت في حياته زوجة ثانية؟.. وما هي حقيقة علاقته بحسن مبارك؟.. وكيف استطاع أن يحتفظ بمنصبه كل هذه السنوات؟.. ولما ذا حدد نشاطه ألمخابراتي في أواخر حياته في تركيا وقطر؟".
لا يقدم المؤلف إجابات شافية لأي من هذه التساؤلات، لكنه يمخر بك عباب منطقة رمادية تلامس ماغما أيام مبارك الأخيرة وخط نهاية ماراتون الإسلام السياسي في مصر.. فعمر سليمان أدار بذكاء طواحين الدولة العميقة وجعل روافدها الاستخباراتية سالكة في كل الاتجاهات.. حاول بخبرته واسناده الخارجي أن يكون المخرج لكن رعاة الفيلم في لحظة فارعة أرادوه كومبرسا يختفي بهدوء ادرامي وينطفئ في عيادة بالولايات المتحدة في التاسع عشر من يوليو 2013 تاركا زوبعة أسرار وهالة سميكة من الغموض.
عمر سليمان كانت حياته مثيرة.. وكان اختفاؤه أكثر إثارة.. فهو في سنواته الأخيرة مثل لغزا صعبا من ألغاز الفوضي الخلاقة.. ورقما من أرقام الشرق الوسط الجديد الدائم التشكل، وهندس ما وسعه ذلك خروج مصر من الربيع العربي ودوارنها خارج الفصول.. لكن مصر بنيلها وتاريخها وأهراماتها وملايينها الثمانين مابرحت تراوح مكانها مثخنة بجراحات الماضي وهموم الحاضر وهواجس المستقبل.. وخرج هو من اللعبة قاتلا ومقتولا...!!!
قد ينصفه التاريخ حين يفرج سدنة المعابد عن الأسرار بعد عشر سنوات أو أكثر.. وقد تتضح معالم فلسفته الغامضة لتسريع وتيرة الزمن المصري برحيل مبارك واصطياد الإخوان بطعم السلطة القاتل وإخراجهم من اللعبة وبعث الدولة العميقة.. لكن المفارقة أن اللواء المخضرم لم يتجاوز منزلة هامان من فرعون، فلا هو أعاد مبارك بعد حين ولا هو وفق في تنصيب نفسه على قمة الهرم.. والصرح الذي بناه لبلوغ أسباب الحكم تسلقه السيسي على حين غفلة مدشنا فصلا جديدا قديما من تاريخ أم الدنيا.. الغدارة.. التي تتنكر لأبنائها حتى ولو كانوا من رتبة لواء ومن نوعية عمر سليمان.. في زمن تداخل الفصول وتتشابك الأجندات.. لا شيء يتم كما هو متوقع.. هي مغامرة فحسب.. وقد خاضها الرجل حتى النهاية لكنها أخرجته من المشهد إلي غير عودة وقد تخرج غيره من حيث خرج هو.
اختفى الصندوق الأسود لجهات فاعلة وعديدة عبر العالم لم تكن مصر إلا واحدة من بينها.. وربما يكون اختفاؤه بفعل أحداها أو خدمة لأخرى.. تعدد المنافع والمواهب والزوجات مهلك كما يقول العامة والساسة في كل زمان وفي كل مكان والرجل كان متعدد المواهب والمنافع والولاءات.
الأيام وحدها ستكشف المستور وفي انتظار ذلك ننصح بقراءة الكتاب فهو جدير بأن يقرأ وفيه عبرة (لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ).
عبد الله محمدو