نواكشوط – «القدس العربي»: أكدت معلومات مستقاة من مصادر عدة بعضها من مقرب من أوساط السلطة «أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قرر تجميع قواته وأنصاره والتوجه نحو تنظيم استفتاء شعبي حول الدستور عما قريب، للخروج من حالة الارتباك التي تعرض لها نظامه بعد إسقاط شيوخ الأغلبية في تصويتهم الجمعة الماضي للتعديلات المثيرة التي عرضتها الحكومة على البرلمان».
وأكدت المصادر «أن رئاسة الجمهورية خاطبت اللجنة المستقلة للانتخابات حول الاستعداد لتنظيم وشيك لاستفتاء شعبي حول الدستور». ولم يتضح ما إذا كان الرئيس الموريتاني سيعرض على الاستفتاء الشعبي تعديلاً جزئياً للدستور أو تشكيل هيئة تكلف بكتابة دستور جديد، اعتماداً على المادة (38) من الدستور التي تمنحه الحق في استشارة الشعب عبر استفتاء حول القضايا الوطنية الكبرى، وهي المادة التي يعتقد فقهاء في القانون الدستوري أن الاعتماد عليها في مراجعة الدستور غير ممكن لأن مراجعة الدستور محددة بالتفصيل في المواد 99 و100 و101..
وفي إطار الاستعداد لهذا الاستفتاء نظم الرئيس الموريتاني الليلة الماضية مؤتمرًا صحافيًا تحدث فيه عن الآفاق السياسية للبلد وعن توجهات نظامه في مرحلة ما قبل انتخابات 2019 تاريخ مغادرته للسلطة. وعقدت اللجنة الوطنية لمتابعة نتائج حوار تشرين الأول/أكتوبر 2016، اجتماعاً أمس لترتيب الأمور للاستفتاء الشعبي.
وتؤكد كل هذه التطورات أن موريتانيا مقبلة على تشكل جيد لساحتها السياسية حيث هددت المعارضة أمس «بمواجهة نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز إذا حاول مراجعة الدستور بطريقة ملتوية غير مجمع عليها».
وأكد وزير الخارجية الموريتاني الأسبق محمد فال ولد بلال «أن تصويت أغلبيّة الشيوخ ضد التعديلات الدستوريّة، ما هو إلاّ تجلّ من تجليّات عدم ترشّح الرئيس لمأموريّة ثالثة».
وقال «عليْنا أنْ نعِي جميعًا بأنّ عدم ترشّح الرئيس لخلافة نفسه ليس بالأمر البسيط ولا الهَيِّن؛ بل هو أمرٌ جلل وتحدّ كبير ولهُ انعكاساتٌ عميقة وتأثيراتٌ جوهريّة على سيْر الأمور داخليّاً وخارجيّاً».
وأضاف ولد بلال في تدوينة له أمس «أن لا غرابة لديه في أنْ تبدأ الأغلبيّة تتحلل وتتحرّر من قيود الحاضر وتتلمّسُ طريقها نحو 2019، ولا غرابة في أن تنحو المعارضة نفس النحو وتشهدَ اصطفافات جديدة ولو بعد حين». «السّاحة السياسيّة، يضيف ولد بلال، آخِذةٌ في التّفاعُل والتّعامُل مع ما هو آت في أقل من سنة ونيْف؛ وبدأت في إعادة التشكّل والتمايُز».
وقال «إنّ تحالفات قائمة ستزول وتحالفات جديدة ستظهَرُ، والتغيّرات المقبلة ستطالُ صفوف الأغلبيّة والمعارضة معًا، وأستطيع القوْل بأنّ خارطة سياسيّة جديدة سوف تُرسم لا محالة، وأنّ ملامحها بدأت تتشكّل، وسوْفَ تَتَحَدّدُ أكثر من خلال الموقف من الاستفتاء المُنتظر على الدّستور، قبل أنْ تأخذ شكلها النهائي في الرئاسيّات المقبلة».
وضمن هذا الحراك السياسي النشط حاليا أعلن في نواكشوط أمس عن ميلاد «كتلة العقد الاجتماعي» برئاسة حمد سالم ولد بوحبيني النقيب السابق للمحامين.
وأكدت الكتلة في وثيقة توصلت «القدس العربي» بنسخة منها «أن وضعية موريتانيا اليوم تتسم، منذ فترة، بالتوقف عند نقطة الانطلاق؛ لا نقاش، لا تقدم، لا استقرار يفضي إلى العملية التنموية والإصلاحات الكبيرة، إذن لا شيء غير ضياع الوقت وتعطيل الطاقات والشحن المستمر والتجاذبات الخطيرة والتأزيم الذي لا يعي فظاعة ما قد يترتب عليه من منزلقات خطيرة.. ذلك هو وضع موريتانيا على مدى فترة غير وجيزة».
«أهم شيء إذن، تضيف الوثيقة، هو أن نعترف بهذا الوضع كواقع، وأن نعترف بأن موريتانيا متضررة منه، وأنه أصبح عائقاً دون رؤية أي أفق يلوح في المستقبل، فأصبح احتمال التفكك واردا، وأصبح الوضع الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي والصحي والحقوقي والقضائي والأمني كارثيًا لأنه لا أحد يهتم به في ظل أزمة سياسية خانقة باتت تغطي على كل الجوانب الأخرى».
وأوضح معدو وثيقة العقد الاجتماعي «أنهم تأكدوا، بعد جولات من النقاش، أن انتخابات جدية شفافة هي الحل الأوحد لأزمة موريتانيا، وأن انتخابات جدية وشفافة يلزمها بالضرورة أن تكون توافقية وأن تكون هياكلها المشرفة عليها حيادية وذات مصداقية، وذلك يستحيل دون إشراك الجميع، وهو ما يعني بناء مؤسسات انتخابية ذات مصداقية يكون اختيار أعضائها بالتشاور بين الفاعلين السياسيين كافة، مع إعطاء اللجنة الانتخابية كامل الصلاحيات فيما يتعلق بالمسلسل الانتخابي وإبعاد وزارة الداخلية وغيرها من الأجهزة الحكومية عن العملية كافة، واختيار رئيس وأعضاء المجلس الدستوري بالتشاور مع كامل الطيف الفاعل، واختيار المسؤولين المباشرين للحالة المدنية والسجل الانتخابي بالتشاور، واختيار مديري مؤسسات الاعلام العمومي بالتشاور، وتحييد وسائل الدولة عن المنافسة الانتخابية، وتدقيق السجل الانتخابي وإشراك الجميع في مراجعة اللائحة الانتخابية، وتفعيل بعض القوانين وسن أخرى خدمة للشفافية في المسار الانتخابي».
ووجه معدو العقد الاجتماعي مجموعة من الرسائل إلى محطات عدة هي محطة السلطة، ومحطة المعارضة، ومحطة المؤسسة العسكرية، ومحطة البعثات الدبلوماسية، ومحطة الأطر.
وأكد العقد الاجتماعي في رسائله لمحطة السلطة «أنه لا مجال إطلاقا لمأمورية ثالثة، وأن الاستخلاف السياسي أو التوريث السلطوي غير مقبول ولا مجال حتى للتفكير فيه لأنه يمثل نوعاً من الاستخفاف بالشعب والوصاية عليه، ولأن دكتاتورية صريحة، سافرة عن وجهها، أفضل من الدكتاتوريات الملثمة برداء ديمقراطي زائف».
«إن على السلطة الحاكمة في موريتانيا، تضيف الوثيقة، أن تسعى إلى الخروج من الباب الواسع، وإن عليها أن تحسب العواقب، وتفكر في مسؤولياتها تجاه شعبها، وتقرأ التاريخ السياسي المعاصر، وتنظر بجدية إلى ما آلت إليه الأمور في بلدان عديدة من العالم، لعلها بذلك تتريث حتى لا تسير عكس التيار في الأمور الحتمية، لأن الحكمة تقتضي منها المساهمة الفعلية والبناءة في الانتقال السياسي اللازم ومواكبته لتخرج خروجا مشرفا، ولكي يسجلها التاريخ ضمن السُّلـَـط التي جنـّـبت شعوبها الصدامات والمآسي وساعدتها في النهوض».
وفي الرسائل الموجهة لمحطة المعارضة، أكد العقد الاجتماعي «أن المطلب الأساسي الآن، والذي يتوجب على المعارضة التركيز عليه، يتجسد في مسألة تهيئة انتخابات نزيهة وشفافة تضمن التحول بشكل سلس لائق، كما أنه على المعارضة أن تركز، أكثر من أي وقت مضى، على هذه الفرصة حتى لا تشرف السلطة وحدها على العملية الانتخابية، وحتى لا تكون العملية أحادية، وحتى يكون التوافق بشأنها مبدأ لا مناص عنه».