أكدت مراسيم التعديلات الدستورية التي أقرها مجلس الوزراء الموريتاني في اجتماعه الخميس 30 مارس 2016 أن الرئيس اتخذ قراره بالاقتصار على المادة 38 من الدستور لتمرير تعديلات دستورية فصلتها مراسيم الحكومة في حزمتين خصصت إحداهما لقضية تزويغ العلم بخط أحمر وخصصت أخرى لباقي التعديلات الشكلية التي لا تمس جوهر الحياة الوطنية.
ويثير استخدام المادة 38 جدلا واسعا لأن الدستور الموريتاني الحالي أفرد بابا للتعديلات الدستورية تضمنته المواد 99 – 100 – 101 كما تثير استغراب قطاعات واسعة من الرأي العام الذي لم يفهم الدوافع الحقيقية الكامنة وراء فرض هكذا تعديلات ، فجعجعة التعديل ليس لها ما يبررها على الاطلاق فكل الأمور المطروحة لا تكتسي طابع الاستعجال وليست محل إجماع ، بل إنه لا أحد يتبناها على وجه التحديد حتي من بين ممتهني الحوارات الموسمية المجزوءة .. فقد يكون الرئيس دفع إليها دفعا من طرف أوساط تدعي الموالاة وتعمل لإرباك الرئيس وإضاعة ما تبقي من مأموريته وتوسيع الهوة التي باتت تفصله عن الموريتانيين بغاية الانفراد به لتحقيق أكبر قدر من المصالح الضيقة على حساب مصلحة الوطن وعموم المواطنين.
الطريف أنه بدل أن تدفع هذه الجماعات إلى التصالح مع الرأي العام انهمكت في مصالحات وولائم داخلية وكأنها هي كل أهل موريتانيا هذا أيضا يعكس قدرا كبيرا من ضبابية الرؤية ومن غياب روح الاستشراف والتوقع لدى هذه الجماعات التي تدور في حلقات الزبونية المفرغة وأصبح بعضها يلعن الآخر بعيدا عن انشغالات الموريتانيين المادية والمعنوية.
وتؤشر مجريات الأحداث إلى المضي قدما على طريق استفتاء يشغل الناس لبعض الوقت يكاد يكون من شبه المستحيل ضمان النتائج المرجوة منه.
دعونا نقول بأن الإشكال لا يتمثل في الموالاة ولا في المعارضة ولا في من هم دون ذلك فكل هذه المسميات لا تستطيع مجتمعة أن تعبئ أزيد من 10 آلاف موريتاني في أفضل الأحوال و 4 ملايين موريتاني وموريتانية الباقين هم الأغلبية الصامتة التي بلغ تململها وإحباطها المستوى الحدي للتحمل وبدأت تخرج عن صمتها .. وحين تخرج هذه الأغلبية الصامتة عن صمتها تتغير أشياء وتتحطم حسابات وتتساقط هامات ورؤوس .. فبإمكان هذه الأغلبية الصامتة كحد أدني أن تسقط التعديلات عبر مسارين قد يجتمعان في مسار واحد: أولهما: مسار التصويت العقابي عبر صناديق الاقتراع وثانيهما: مسار المقاطعة مما ينجم عنه تدني نسبة المشاركة بشكل مخل بمصداقية الاستفتاء وقد تجتمع هذه المسارات في مسار واحد فتسقط التعديلات بأغلبية مريحة ضدها مع نسبة مشاركة متدنية وهنالك سيناريو ثالث يقود على إسقاط بعض التعديلات وتمرير أخرى إذا عرضت كحزم منفصلة.
الواضح أن الأغلبية الصامتة هي الأغلبية الحقيقية الآن في هذه البلاد وهي من سيحسم الموقف ولو كانت موريتانيا تتوفر على معاهد ومؤسسات ذات مصداقية لاستطلاع الرأي لتوفرت معطيات صادمة عن مآلات كل هذا الحراك وفي غياب هذا النوع من المؤسسات وفي غياب حكامة التوقع والاستشراف دعونا ننطلق من صورتنا النمطية التي تقول بأننا بلاد المليون شاعر ونردد مع طرفة ابن العبد أبياته المشهورة:
ستُبْدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلاً * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له * بَتاتاً ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ
بقلم: محمد عبد الله ولد محمد الأمين