كان قدامة بن جعفر يفرّق بين الشعر وقائله .. فشعرية النص تكمن في لغته وصوره وبلاغته، وليست في قيمة مقصده ..
معناه أن لا أحد يشكك في شاعرية المتنبي.. ولكن أغلب مقاصد شعره تهوي به، رغم كل محاولات الفخر والاعتداد بالنفس ..
سطر المتنبي روائع المدح والهجاء، وبعث الروح في هذين الغرضين بعد أن حاولت الرقابة الفقهية في صدر الاسلام القضاء عليهما .. ولكن ما الذي جناه المتنبي من شعر البلاطات؟ ..
مات في فلاة على يد فاتك الأسدي .. وظل حلم الولاية على ضيعة يراوده حتى آخر بيت من قصيد العيد ....
مات المتنبي وهو يحمل بردة البلاطات.. لكنه ترك ديوانا ينبض بالفخر والاعتزاز بالنفس .. ولم ينس أن يترك ردا شعريا مسافرا عبر الزمن على كل من يذمه أو يحط من قيمته ...
وإذا أتتك مذمتي من ناقص ..
لا نذم المتنبي .. فهو ثلاثة أرباع الشعر العربي على حد تعبير نزار قباني .. ولولا سيف الدولة وحبه للشعر وفهمه إياه لما كان لابن الحسين متسع من القريحة .. ولولا جهل كافور بالشعر مقرونا بعقدة التفوق لما أثارت المتنبي مضحكات مصر ...
حقا. مدح الرؤساء والملوك والأمراء ليس فعلا شعريا .. هو فعل أخلاقي أولا .. وهذا مصداق رأي قدامة ...
أتمنى على مداحي البلاطات أن يتمثلوا قول شاعر البلاط الخيديوي أمير الشعراء أحمد شوقي، مخاطبا النبي صلى الله عليه وسلم، بعد أن ملّ استدرار الملوك و الأمراء :
مدحتُ المالكين فزدتُ قدرا == وحين مدحتكَ اجتزتُ السحابا
وبذلك يرفعون المدح من البلاط الى الثريا ....
نقلا عن صفحة د/ الشيخ ولد سيدي عبد الله على الفيسبوك