كنا نتوقع أن يسفر التكثيف الغير مسبوق لتبادل الزيارات على أعلى المستويات بين المسؤولين الفرنسيين ونظرائهم الموريتانيين عن نتائج مادية ومعنوية ملموسة تنقل علاقات البلدين إلى مربع تحقيق المصالح المشتركة بصورة واضحة ومتوازنة ، فلا يعقل أن تكون زيارة الرئيس لفرنسا وزيارات وزراء الخارجية والمالية الفرنسيين لموريتانيا وما سبقها من وفود عسكرية وأمنية من أجل حفنة يوروهات مسومة لدعم "الديمقراطية واللحمة الاجتماعية".
فما سر التحرك الفرنسي نحو موريتانيا في الوقت بدل الضايع؟
وما ذا تريد الحكومة الفرنسية المنتهية مأموريتها على وجه التحديد من موريتانيا الغارقة في أوحال التعديلات الدستورية وقضايا انتقال السلطة؟
من الواضح أن الفرنسيين هم أصحاب المبادرة وقد بادروا لتحقيق مصالح فرنسية بعضها عام وأغلبها خاص لكنها تبقى مصالح فرنسية أيا كان تصنيفها.
أول هذه المصالح هو استغلال الغاز المشترك بين موريتانيا والسينغال فقد حصل الفرنسيون من خلال شركة TOTAL على امتيازات ملموسة في السينغال وأرسوا قواعد شراكة استراتيجية شاملة مع البلد الجار في كل الأمور المتعلقة بالمحروقات.
أما موريتانيا فتكاد تكون اتفقت مع شركة BP البريطانية وهي منافسة قوية للشركات الفرنسية ويمنحها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هامش مناورة تنافسية يمكنها من إقصاء الشركات الفرنسية في منطقة ظلت فرنسا تعتبرها مربع نفوذها التقليدي ، ويسعى الفرنسيون لتدارك الأمر قبل فوات الأوان وقد تحركوا على مسارات رسمية وخصوصية وهم بصدد تحقيق بعض المكاسب مقابل بعض المزايا للنظام الموريتاني ولأوساط خصوصية مقربة منه.
كذلك تتطلع شركات فرنسية للدخول على خط صناعات طحين السمك التي توفر لها أسماك موريتانيا السطحية الهائلة مصدرا لا ينضب والتي تعتبر مضمونة الأرباح ، ويرغب الفرنسيون في الانفراد باستغلال اليورانيوم الموريتاني في شمال البلاد الذي تأكدت مؤشراته ويسعون للحصول على رخصة حصرية للتنقيب عنه واستغلاله.
ودائما في إطار المصالح الحيوية الفرنسية يتطلع الفرنسيون للخروج من الأوحال المالية وقد التقطوا إشارات صادرة عن قادة مجموعة دول الساحل الخمس متعلقة بتشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب والتصدي للجريمة العابرة للحدود ويقترح الفرنسيون دعم هذه القوة وتسليحها وتدريبها ومواكبتها استخباراتيا واستصدار قرار أممي يحدد مأموريتها لتحل محل قوة "بركان" المتعثرة التي تزايدت خسائرها مؤخرا.
وحسب متابعين فإن الفرنسيين دخلوا على الخط عبر وساطة قام بها إدريس ديبي الذي تتطلع بلاده لدور أكبر في مكافحة بوكحرام وقد أقنع الفرنسيين بأن موريتانيا هي الأكثر تأهيلا لقيادة القوة الجديدة.
وبالنسبة لموريتانيا تلقى الرئيس محمد ولد عبد العزيز كل هذه الوعود وكل هذه الإشارات وهو مدرك لأهميتها لأنها تمنحه أدوارا جديدة مسندة فرنسيا ومن يدري فقد تكون البساط السحري نحو مأمورية ثالثة قد تبررها الضرورات الخارجية رغم ما تثيره من جل في الداخل.
فحين تهادنك فرنسا تدخل السينغال ومالي ودول الطوق الأخرى تلقائيا في صف المهادنين ويفتح أمامك حيز أكبر للمناورة إقليميا على المديين القريب والمتوسط.
أما تداعي المسؤولين الفرنسيين وتهافتهم فله بالإضافة إلى الأسباب الآنفة الذكر أسباب شخصية أخرى فالوزراء الخارجون من الحكم فى ظرف أسبوع هم في طريقهم إلى القطاع الخاص للتربص هنالك خمس سنوات قادمة وتحدث موقع فرنسي استقصائي عن أن أحدهم سيصبح مستشارا ديبلوماسيا لشركة TOTAL يؤطر علاقاتها مع دول إفريقية ومن بينها موريتانيا أما الثاني فيوصف بأنه مكلف بمهمة في شركة Areva الفرنسية المهتمة باليورانيوم الموريتاني وآخر عمل جيد يقوم به وزير منتهية ولايته هو تأمين انسحاب معوض حتى ولو كلفه ذلك استغلال ما بقي متاحا من مقايضة نفوذ.
المحزن أن الفرنسيين يعرفون ما ذا يريدون ويتحركون وفق أجنداتهم العامة والخاصة أما نحن فلم نحدد بعد على وجه الخصوص ما ذا نريد ونراوح مكاننا في مربع ردود الأفعال الانفعالية التأثرية الذي قد يتيح الحد الأدنى من المصالح الخاصة ولكنه لا يضمن مصالح البلاد الحيوية والاستراتيجية .. فمن لا يتدبر ولا يبادر يظل مفعولا به لا معه ولا لأجله.
بقلم: أحميدوت ولد أعمر