عشية الدورة الأولى في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كانت نتيجة الدورة الثانية تبدو محسومة لصالح مرشح حركة "المضي قدما" إيمانويل ماكرون، الذي توقعت استطلاعات الرأي انتصاره على مرشحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف مارين لوبن بفارق عشرين نقطة.
ولكن الأمور اختلفت خلال الأيام الأولى من حملة الدورة الثانية، حيث تمكنت لوبن من إطلاق حملتها بشكل قوي بينما تغيب ماكرون عن الساحة الإعلامية، وبالرغم من حصوله على دعم مرشحي اليمين التقليدي فرانسوا فيون والحزب الاشتراكي بنوا هامون، إلا أن نسبة كبيرة، تقدر بحوالي ٣٠٪ من ناخبي اليمين التقليدي ستصوت لصالح مرشحة اليمين المتطرف، والشخصيات القيادية في حزب "الجمهوريون" لم تتخذ مواقف قوية لدعم ماكرون، ودعم مرشح الاشتراكيين لن يقدم له الكثير، لأنه كان يحظى، بالفعل بدعم القيادات الحكومية الاشتراكية، وفِي مقدمتهم رئيس الجمهورية شخصيا.
إيمانويل ماكرون كان ينتظر موقف مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلانشون الذي حقق نتائج لم تكن متوقعة في الدورة الأولى مع أكثر من ١٩٪ من أصوات الناخبين، ولكن ميلانشون امتنع عن إعطاء توصية لناخبيه بالتصويت لمرشح الوسط
مارين لوبان حققت، نصرا سياسيا بتحالفها مع نيكولا دوبونيان المرشح الديغولي الصغير، الذي لم يقدم لها أعدادا كبيرة من الأصوات، ولكنها كانت المرة الأولى التي تقبل فيها شخصية سياسية يمينية تقليدية التحالف مع اليمين المتطرف، متحدية بذلك شعار "الجبهة الجمهورية" القاضي بتحالف اليمين واليسار ضد اليمين المتطرف.
أزمة ماكرون الكبيرة تتعلق بنسبة الممتنعين عن التصويت أو من سيصوّتون ببطاقة بيضاء، وهي الفئة التي لم تتحدث عنها استطلاعات الرأي، وأحد سيناريوهات التصويت، المتشائمة بالنسبة له، يقول بأنه في حال امتناع ثلث من أعلنوا أنهم سيصوّتون لماكرون عن الذهاب إلى مكاتب الاقتراع، فإن مرشحة اليمين المتطرف ستنتصر بنسبة ٥٠,٣٪.
وهذا السيناريو ليس بالمستحيل، خصوصا وأن مرشح الوسط ما زال عاجزا عن النفاذ لرجل الشارع وإقناعه بالتصويت له، ويراه الناخب العادي كأحد أفراد النخبة المالية، التي لا تعرف، أو تتجاهل مشاكل الطبقات الأخرى في البطالة ومستوى المعيشة .. الخ، على عكس مرشحة اليمين المتطرف التي تمكنت من النفاذ إلى الطبقات الشعبية، حتى أن ٢٠٪ من ناخبي أقصى اليسار سيصوّتون لها.
كل هذه العناصر تغري الكثيرين بالمقارنة مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية، إلا أن الناخب الفرنسي يختلف جذريا عن نظيره الأمريكي، ذلك إنه ابن نظام سياسي شديد المركزية تحتل فيه الدولة القمة، أضف إلى ذلك أنه البلد الذي ابتدع مفهوم اليمين واليسار أيام الثورة الفرنسية.