لعل شهر رمضان المبارك يكون بوابة الفرج لهؤلاء.
منذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي يقبع أكثر من خمسين لاجئا سوريا في العراء على الحدود المغربية مع الجزائر، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال منهم من ولد أصلا هناك في ظروف مزرية. ولولا ما يقدمه أهالي مدينة فكيك المغربية لهم من بعض المساعدات الغذائية والطبية الدنيا لهلكوا جميعا.
تعود أصل الحكاية إلى أن هؤلاء السوريين قدموا من ليبيا مرورا بالجزائر طمعا في الوصول إلى المغرب فهناك يوجد لهم بعض الأقارب على ما يبدو. الرباط رأت في وصول هؤلاء إلى حدوده المغلقة مع الجزائر محاولة لإحراجه لأنه ما كان لهؤلاء أن يصلوا أصلا إلى هذه النقطة التي وصلوا إليها لولا غض الطرف من السلطات الجزائرية. سرعان ما تحول الأمر إلى خلاف مغربي جزائري وتبادل للاتهامات إلى حد دعوة كل بلد لسفير البلد الآخر للاعراب عن الاحتجاج: المغرب ترى أن الجزائر سهلت عبورهم إلى أراضيه بطريقة غير قانونية والجزائر تعتبر أنها لا تتحمل مسؤولية رفض المغرب دخول لاجئين إلى أراضيها. وإذا ما أخذنا ما قاله عبد الإلاه الخضري مدير المركز المغربي لحقوق الانسان فإن «النظام السياسي في الجزائر مسؤول عن فعل مثير للإستفزاز، فيما نظيره المغربي يتحمل مسؤولية رد الفعل».
لا معنى الآن ونحن في شهر رمضان المبارك ومع دخول فصل الصيف وحرارته الشديدة في تلك الربوع أن يستمر الجدل بين البلدين فيما يقاسي النساء والأطفال هناك الويلات في العراء. وحتى المنظمات الدولية لا تريد أن تضع نفسها في الزاوية الضيقة للمناكفات الجزائرية المغربية المثقلة بإرث عقود من الخلافات ولهذا نراها، على غرار «هيومن رايتس ووتش» تدعو البلدين معا إلى وضع حد «للتجادل» بينهما و«التدخل لتشارك المسؤولية والنظر في طلبات الحماية إعتمادا على رغبات طالبي اللجوء السوريين وضمان إتاحة الخدمات الضرورية لطالبي اللجوء جميعا لا سيما الحوامل والمرضعات».
أما المنظمات المغربية والجزائرية مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان فقد عبرت في بيان مشترك مع منظمات أخرى حقوقية وإنسانية عن تنديدها بـ»الوضع الكارثي» للخمسين لاجئا سوريا العالقين على الحدود بين المملكة المغربية والجزائر معتبرة أنّ «هذه الحالات الانسانية خطيرة بما فيه الكفاية من أجل أن تقوم السلطات في البلدين» بمناقشته وإيجاد «حل لهذه المشكلة (…) من دون أن تكون تلك العائلات رهينة للسياسات».
ليس مهما الآن وجاهة ما تقوله الجزائر أو المغرب بخصوص الوضع القانوني لهؤلاء اللاجئين العالقين وما تقوله قوانين كل بلد في مسألتي العبور والدخول إلى أراضيها… المهم الآن هو أن استمرار الوضع الحالي مستحيل بل بات مهددا لحياة الأطفال والرضع منهم على وجه الخصوص. القضية الآن إنسانية محضة والتعويل لم يعد سوى على استجابة كل من الجزائر والمغرب للمناشدات الداخلية والخارجية لوضع حد لمسألة مخجلة فعلا ولا يمكن سوى أن تلحق أفدح الأضرار بسمعة كلا البلدين.
كثيرون الآن انتقلوا إلى مناشدة العاهل المغربي محمد السادس التدخل شخصيا لإنهاء معاناة هؤلاء خاصة ونحن في شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والتآزر وذلك بعد مضي كل هذه الأسابيع دون تحقيق أي تقدم .
لقد عمل المغرب، الذي يحتضن حاليا زهاء الخمسة آلاف لاجئ سوري على أراضيه، على تسوية وضعية آلاف اللاجئين الأفارقة في الفترة الأخيرة ممن كانوا في وضعية غير قانونية على ترابه وأغلبهم جاء بغرض التسلل لاحقا إلى أوروبا، مما جلب له استحسان عديد الجهات الحقوقية المعنية بقضايا الهجرة. ومن هنا فإن استقبال المملكة لخمسين لاجئا إضافيا ومنحهم حق الإقامة وتسوية وضعيتهم لاعتبارات إنسانية صرفة لا يمكن إلا أن يلقى كل إشادة وثناء.
يمكن للمغرب أن يسجل اعتراضه على ما حدث بالطريقة التي يراها ولكنه سيكون كبيرا لو هو استطاع التسامي على ذلك إكراما للسوريين المتقطعة بهم السبل في العراء وخاصة النساء والأطفال.
سيكون هذا أفضل مخرج يشرف المغرب ويرفع من قدرها، أما إذا تعذر ذلك بالكامل فإن للسلطات الجزائرية مبادرة لا مفر من أخذها وهي محاولة إرجاع اللاجئين العالقين إلى أراضيها وتوفير ما يحتاجونه من مقومات الحياة الكريمة فقيم التآخي الإنساني والعربي كلها تحتم ذلك، خاصة عندما ننظر إلى ما تفعله دول أجنبية من مبادرات كريمة تجاه اللاجئين السوريين.
يفترض الآن أن تتحول سريعا المناكفة المغربية الجزائرية حول هذه القضية إلى من منهما سيكون المبادر بالتسوية فيفوز بسبق الثناء والامتنان. من منهما سيفعل؟؟