لعل قرار موريتانيا المفاجئ بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع دولة قطر أغرب قرار اتخذته موريتانيا منذ الاستقلال إلى اليوم .. ويصعب تبريره لأكثر من سبب .. فالتجاذبات الإعلامية السياسية التي شهدتها وتشهدها دول الخليج من حين لآخر لا تعدوا كونها سحابة صيف ما تلبث أن تنقشع وتعود الأمور إلى مجاريها ، ومن يتدبر مجريات الأحداث الراهنة يدرك دون عناء حظوظ نجاح الوساطات الكويتية والأمريكية وغيرها ، فهنالك مياه كثيرة تجري تحت الجسور وستصب فى انهاء الأزمة إن عاجلا أو آجلا.
بالنسبة لموريتانيا كان على من اتخذ القرار أن يفكر مليا ويقيس الأمور بميزان القلب والعقل فعلاقاتنا مع القطريين ثقيلة فى ميزان المصالح فهنالك 18 ألف مقيم يعمل معظمهم فى مختلف القطاعات القطرية يحولون شهريا لذويهم ما يناهز الـ 5 ملايين دولار ، وهنالك الدعم القطري المباشر ومعدله السنوي لا يقل عن 100 مليون دولار ، وهنالك المشاريع الاستثمارية المشتركة وسقف تمويلاتها المنتظر على المديين القريب والمتوسط فى حدود المليار دولار ، وهنالك الدعم الخيري وتقدر المنظمة الخيرية الرسمية وشبه الرسمية حجمه وأهميته ، وهنالك على مستوى المغرب العربي ترجيح القطريين الدائم لبناء علاقات مباشرة مع موريتانيا عكس دول شقيقة أخرى تمرر علاقاتها مع موريتانيا عبر محاور إقليمية ، وهنالك وشائج القربى والأرحام التي ربطت بني تميم أهل قطر بالشناقطة على مر العصور.
كل هذا وغيره طبع علاقات الشعبين بالحميمية الأزلية ، فعلاقات موريتانيا وقطر ليست من النوع الذي يقطع ببيان أو قرار يصعب تبريره أو تسويقه على الصعيدين الموريتاني والعربي ، فقطع العلاقات أبغض الخيارات الديبلوماسية وآخرها ، وكان الأولى أن تجنح موريتانيا للوساطة ورأب الصدع وتكون جزءا من الحل القادم لا محالة، وفى أسوإ حلات الانفعال والعبثية كان أمام موريتانيا خطوات تدريجية تؤمن خط الرجوع وترضى الطرف المراد إرضاؤه منها استدعاء السفير للتشاور وكحد أقصى تخفيض مستوى التمثيل الديبلوماسي مؤقتا كما فعلت دول أخرى ، إذ من الحيوي فى التعاطي مع مثل هذه الأزمات العابرة الاحتفاظ بآلية للتواصل مع كل الأطراف.
وأيا كانت مآلات الأمور فسيبقى فى قلوب القطريين شيء من موقف موريتانيا الذي لم يكن منتظرا ولا مبررا ، ولن يمنح مثل هذه التصرفات الحدية أية قيمة مضافة للدبلوماسية الموريتانية.
ويحق للموريتانيين الحريصين على مصالح موريتانيا أن يعرفوا ما ذا ستجني موريتانيا من هذا الإجراء وما ذا ستخسر ماديا ومعنويا؟
هل نأمل أن نجني عشر ما جناه ترامب خلال زيارته الأخيرة مثلا للخليج؟
فعل الخير الجزافي قتال ولا مكان له فى العلاقات الدولية فالدول تحركها المصالح ولا تحركها العواطف وأيا كان المحصول عليه ماديا فقد خسرت موريتانيا خسارة معنوية يصعب تعويضها على المديين القريب والمتوسط.
محمود محمد عبد الله – [email protected]