رغم قطع العلاقات وأزمة الحصار لم تسقط قطر بل كثفت منافذها البحرية والجوية وفعلت تحالفاتها الإقليمية بشكل لم يكن متوقعا .. فحسابات الأشقاء المحاصرين الذين توقعوا انهيار قطر فى غضون أيام لم تكن دقيقة وانطلقت من ثوابت الجغرافيا السياسية متجاهلة المتغيرات الإستراتيجية الهائلة التي تشهدها المنطقة.
لقد اصطدمت تلك الحسابات بأجندات أخرى طورها القطريون بالتعاون مع الأمريكيين والأتراك ومع الإيرانيين ومع أطراف خليجية أخرى وبرعاية أطراف دولية مؤثرة ، وقد بات واضحا أن التدخل العسكري فى ظل ميزان القوى الحالي مستحيل كما بات جليا أن القطريين لن يرضخوا لما سموه إملاءات إطراف أخرى ، وهذه الأطراف الأخرى حرقت معظم أوراقها بسرعة أربكت منظومة التعاون الخليجي القائم على تفاهمات عائلية بين أسر محافظة لم تخرجها طفرة النفط والغاز من طور الحماية المدفوعة الثمن.
لقد تحول الموضوع بسرعة إلى مزاد مؤازرة معوضة لكن القطريين ليسوا معدمين وقد تحرروا من كل العقد بعد أن أحسوا بالاستهداف المباشر وأصبحوا فى وضعية نفسية يسترخص صاحبها كل شيء من أجل البقاء.
فى نهاية المطاف لن يبقى أي شيء كما كان فالولايات المتحدة الأمريكية سترفع سقف فواتير الحماية لكل طرف ولخصمه لكي يكون الدفع مزدوجا ، وإيران ستتقدم فرسخا نحو فارسية الخليج وتركيا العثمانية ذات النزعة الاخوانية ستلعب من خلال دعمها لقطر دورا خليجيا جديدا تباركه إيران وتقبل به الولايات المتحدة ، وسيفهم مطلقو الأزمة ومن آزروهم بعد فوات الأوان أنهم أساءوا التقدير ولن يبقى فى متناولهم إلا إذكاء حروب كلامية مدبلجة يبث معظمها من عواصم غربية انهمكت هي الأخرى فى تحضير عصر ما بعد النفط الذي أطلنا زمانه.
لقد أظهرت أزمة العلاقات الخليجية – الخليجية الحالية سعة الهوة بين حسابات دول خليجية فاعلة كالسعودية والإمارات وأجندات دول إقليمية كتركيا وإيران وإسرائيل وستتيح هذه الهوة للقطريين ملاذا للمناورة والخروج من الأزمة بأقل خسارة معنوية وبقدر من التميز السيادي الذي تتيحه العولمة.
أحمدو ولد أعمر