عند الحديث عن موقف دول المغرب العربي من الأزمة الخليجية الأخيرة يجب التفريق بين ثلاثة محاور في ذلك، دول المغرب العربي التّي شهدت ما سمي بـ "الربيع العربي" (تونس، ليبيا)، والمحور الثاني ينصرف إلى الدول التّي نجت منه ( الجزائر، المغرب، موريتانيا) ، وبالتالي فإنّ المواقف تجاه الأزمة تنطلق من الوضع الدّاخلي التّي تعيشه هذه الدول لتحدد اعتبارا مهما في ذلك، اضافة إلى الارتباطات الاستراتيجية والاقتصادية، وأخيرا قوة كلّ دولة في ميزان القوة الإقليمي في المغرب العربي.
بداية تبدو الجزائر القوة الإقليمية الأكبر في المغرب العربي واضحة في موقفها تجاه الأزمة منطلقة من أهم مبدأ في سياستها الخارجية ويتعلق الأمر بعدم التدخل في الشؤون الدّاخلية للدول، مع الدفع للتسوية الدبلوماسية في إطار القانون الدولي، وهي مواقف تدخل ضمن ما سميّ بالدبلوماسية الصامتة. إنّ الموقف الجزائري يجد مبرراته في تاريخ الدبلوماسية الجزائرية التّي ساهمت في التوسط في عدّة قضايا في افريقيا والشرق الأوسط الأمر الذّي يؤهلها لأن تكون وسيطا في الأزمة، حيث صرّح وزير الدولة للشؤون الخارجية القطرية سلطان بن سعد سلطان المريخي عقب محادثات أجراها مع وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل، منتصف جوان/يونيو الفارط بالقول: "إنّ موقف الجزائر من الأزمة الخليجية 'مشرف'، ويمكنها أن تؤدي دور وسيط في الملف". ومن جهة أخرى يمكن أن تحددّ الاعتبارات الخارجية نسبيا الموقف الجزائري نظرا للارتباطات الاستراتيجية مع الدول الخليجية في السياسة الدولية، وبخاصة ما تعلق بالسوق النفطية التّي تعدّ المملكة العربية السعودية أحد أقطابها، وتقاطعها مع المساعي الجزائرية "الدبلوماسية النفطية" في إطار منظمة أوبك لإعادة التوازن لأسعار البترول بعد تهاويها سنة 2014، والارتباط مع قطر في سوق الغاز كون قطر والجزائر وروسيا أحد أبرز منتجي هذه الطاقة الحيوية. هذا الأخير الذّي يتحدد بشكل رئيس مع الموقف الأوروبي الإيجابي ودعوته لإنهاء الأزمة وهو بذلك يوازن بين الترويج للمعيارية الأوروبية وضمان مصالحه الإستراتيجية.
أمّا المغرب القوة الثانية الأبرز في الإقليم فإنّ موقفها في الأزمة المتسم بالحياد يخضع لاعتبارين أولهما داخلي وثانيهما خارجي، يتعلق الأول، بالمكوّن الإسلامي للحكومة المغربية الذّي يرجح الكفة لقطر، ويتعلق الثاني، بالعلاقات المغربية –الخليجية المتميزة وبخاصة مع المملكة العربية السعودية وقطر، بالتالي وجدت المغرب نفسها بين محورين الحياد فيه أسلم للمصالح الاستراتيجية المغربية. ويظهر الاعتبار الخارجي أكثر تفسيرا للموقف المغربي على حدّ قول الكاتب المغربي بلال التليدي وبخاصة ما تعلق بالمحدد التضامني بين المملكة المغربية والملكيات الخليجية وهو ما عبر عنه العاهل المغربي محمد السادس في خطابه للقمة المغربية الخليجية، والذي تحدث فيه بوضوح عن تحديات مشتركة تهدد الملكيات في الخليج والمغرب في سياق الحراك العربي، ومن جهة أخرى يظهر المحدد الاقتصادي، فمع قوة العلاقات التي تجمع المغرب بالإمارات العربية المتحدة والسعودية والبحرين، فإنّ حجم العلاقات الاقتصادية- المغربية قد تطور بشكل ملحوظ ويتجلّى ذلك في الاستثمارات القطرية في المغرب سنة 2012. فحسب ما صرح به وزير المالية المغربي محمد بوسعيد فإنّ الاستثمارات القطرية مثلت سنة 2014 حوالي 12.3 في المئة من الاستثمارات الأجنبية بـ 450 مليون دولار. ويرتبط التشابك الاستراتيجي أيضا بحجم العمالة المغربية في قطر. فحسب تصريح وزير الهجرة المغربي السابق أنس بيرو سنة 2015، في مقر إقامة السفير المغربي في قطر، فقد وقع الطرفان المغربي والقطري على اتفاق يستقطب 15 ألف مغربي ومغربية سنويا للعمل في قطر، خلال ثلاث سنوات، والمتوقع أن تصل إلى أكثر 60 ألف مغربي في آفاق 2020.
وفيما يتعلق بالموقف التونسي من الأزمة الذّي فضل الحياد ينبع من ثلاثة اعتبارات على الأقل في اعتقادنا، أبرزها كون تونس خارجة من آثار الربيع العربي، وبالتّالي ليس من مصلحتها الانحياز لطرف على حساب آخر بفعل انشغالها بالبناء الدّاخلي وإعادة ترتيب البيت التونسي، والثاني، يتعلق بكون تونس الديمقراطية الناشئة في المغرب العربي، حيث تريد أن تسوق نفسها كنموذج ناجح للانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية، وأخيرا، تتشابه مع الحالة المغربية في المكون الاسلامي بقيادة حركة النهضة الأبرز ضمن مكونات العمليّة السياسية في تونس.
وبخصوص الموقف الليبي الذّي فضل قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر في صورة حكومة "شرق ليبيا" فإنّ ذلك يعزى للضغط الخليجي بقيادة الإمارات والسعودية على هذه الأخيرة، فضلا على الارتباط الاستراتيجي والدعم المالي بين حكومة خليفة حفتر وهذه الدول.
وأخيرا، وبخصوص موقف موريتانيا من الأزمة ونهجها خيار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر فإنّ الأمر يرتبط ارتباطا وثيقا بنقطتين أساسيتين، الأولى، تتعلق بكون موريتانيا الحلقة الأضعف في المغرب العربي، والثانية، تخضع للمصالح الموريتانية مع السعودية على وجه التحديد، هذه المصالح الـتي تتنوع بين الدعم المالي الاقتصادي والدّعم السياسي للنظام الموريتاني.
انطلاقا من ذلك، يمكن القول أنّ الموقف الخليجي بقيادة السعودية والإمارات تجاه قطر دفع الدول الأضعف (حكومة شرق ليبيا- موريتانيا) في المغرب العربي للاصطفاف مع الأخيرة، في حين أنّ الدول الأبرز في الإقليم تنطلق من قناعات راسخة في سياستها الخارجية والمثال الأبرز على ذلك الجزائر، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الاصطفاف إلى جنب طرف في مواجهة الطرف الآخر على الأقل بالنسبة للدول الأكبر في الإقليم، بل إنّ الأمر يخضع إلى مصالح هذه الدول فيما نطلق عليه بـالموازنة في المصالح الاستراتيجية.