
نظم بيت الشعر - نواكشوط مساء أمس (الخميس) أمسية شعرية أحياها الشاعر أحمد محمدو عيسى أحمذي، وقدم خلالها تجربته الشعرية عبر قراءة في قصائد مجموعته الشعرية "غرغرة الشوك".
أدار الأمسية الشاعر محمد المحبوبي الذي رحب فيها بالحضور، وقدم ورقة تعريفية بشاعر الأمسية، وذلك عبر محوري مسيرته التعليمية والإبداعية، حيث ولد الشاعر أحمد محمدو عيسى أحمذي عام 1970 في الجنوب الموريتاني، وبدأ طفولته في المحظرة (الكتاتيب)، وأتم قراءة القرآن وأمهات النصوص الشرعية، قبل أن ينتقل إلى التعليم النظامي ويحصل على الباكوريا في الرياضيات، ويلتحق بالمدرسة البحرية، التي تخرج منها بدرجة امتياز أهله لإكمال تعليمه في إسبانيا التي عاد منها مهندسا في الملاحة البحرية.
وخلال هذه المسيرة التعليمية بدأ أحمد محمدو عيسى أحمذي مسيرته الشعرية مبكرا، وتمثلت في نشر عشرات النصوص الإبداعية، التي صدرت في ديوان "آهانات وأنات" (2008)، و"غرغرة الشوك" (مرقون)، وهو الآن عضو في المجلس العلمي لاتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين، وشارك في عدة تظاهرات ومهرجانات شعرية، وبرامج أدبية مرئية ومسموعة.
بعد ذلك استمع الحضور إلى الشاعر الكبير ورائد الأدب الموريتاني الحديث أحمد ولد عبد القادر الذي قرأ المقدمة التي كتبها لديوان "آهات وأنات"، والتي عرف من خلال بخصائص التجربة الشعرية للشاعر ولد أحمذي، ورؤيته للشعر في شتى مدارسه وتجاربه.
وتعقيبا على الأمسية، أعلن الدكتور عبد الله السيد مدير بيت الشعر في نواكشوط الملامح العامة للرؤية العميقة التي قامت عليها تجربة بيت الشعر - نواكشوط، وكشف عن استجابة البيت للمقترح الذي تقدم بها عدد من الشعراء، وخاصة الشباب، وطالبوا فيه بتنظيم دورة تكوينية في فنيات الإبداع الشعري (الموسيقا والأداء، والكتابة)، وهي الدورة التي ستنظم أيام 27 و28 و29 من الشهر الجاري، وأكد أن البيت تحت تصرف الشعراء في مطالبهم؛ إلقاء وتكوينا.
وأعرب عن سعادته الغامرة بكون بيت الشعر - نواكشوط - كما هو حال أمسية اليوم وما قبلها من أماس وأنشطة - يجمع في فضائه كل الأجيال الشعرية الموريتانية من الشاعر الرمز الرائد أحمد ولد عبد القادر إلى شعراء لم يبلغوا العشرين من العمر، مضيفا أن الشعراء وإن كانوا أجيالا عمرية فإن القصيدة والتجربة الشعرية واحدة.
وكان الحضور قد استمع، بتفاعل كبير، إلى الشاعر أحمد محمدو عيسى أحمذي، والذي أبدى سعادته لحجم ونوعية الحضور لهذا الأمسية، وتقدم بالشكر لإدارة بيت الشعر، ومن خلاله إلى مشروع بيوت الشعر في الوطن العربي الذي ترعاه شارقة الثقافة العربية.
ولد أحمذي، الشاعر، واللغوي، والمهندس، والربان، الذي أدار دفات سفنه الشعرية والحربية في أعالي البحار، أودع تجربته الشعرية تيمات شبه ثابتة هي الوطن وحب الشعر ولغة الضاد.. ولم لا أجفان الحبيبة، التي لا ينساها هذا الشاعر المهندس وهو يبحرُ بسفينته الحربية ويكتب قصيدة "وطن أزرق"، التي تكشف عن روح الجندي البحري العربي وعلاقته بالبحر حين يتحول البحر إلى مقلة في جبين الوطن.
بعد إبحار في شعر الوطن، كان نصيب الأسد في هذه الأمسية من حظ الغزل، ومع قصيدة "حبال الوصل"، التي يعالج فيها الشاعر "مشكل انقطاع المكالمة الهاتفية مع المحبوبة"، يقول فيها:
نسيبة الأصل يا حبي وتغريدي
ومطمحي من جميع الغرد الغيد
يا لوعة الكأس إذ تصفو مشاربها
وجذوة الروح في ليل التجاعيد
ملكت قلبي فما أبقيت خاطره
إلا وأنت لها كالعقد للجيد
ماذا جنيت وما ذنبي إذا انقطعت
خطوط هاتفك المحمول إذ نودي
حبل الوصال أمان فاحفظيه لنا
فقطعه باتصال الود قد يودي.
وقرأ قصيدة "غرغرة الشوك"، التي يقول فيها:
بعيني كحل تغار له الغانيات
وعطر تغلغل في الزيزفون وعطر الغزال
والأنفس الزاكيات
فأي سماء بعينيك تبدو؟
وأي صفاء؟ أيا ثامنة المعجزات!
وأي بحار من الحسن من وجنتيك ارتوتْ؟
وأي وقار على ناهيك جثا؟
وصلى ركعتين بالفتح والعاديات
أيا فاتحة النصر فصلك هذا فتحة عقد الفصول
ونحرك هذا تكشف مثل البدور.
وأنشد قصيدته "بوح"، التي قول فيها:
تكسر الصمت حولي إذ خطرت شذى
فكان أن قفزت ذاتي إلى ذاتي
وكدت أسترجع الذكرى فأصنعها
كما أشاء فلا أهتمُّ بآلاتي
ماذا عليك إذا ما كأسنا امتلأت
ماذا علي إذا هبت صباباتي
فعدت للصمت حتى لا يذوبني
وهج الصبابات في أوج المعاناة.
وقرأ قصيدة "وطن أزرق"، التي يقول مطلعها:
وطن تملكني فأصبح في العروقْ
ينساب من قلبي إلى كبدي ومن الغروب إلى الشروقْ
وطن كأجنحة الطموح، تطيرُ بي أشواقه فوق المدى
غيما يرتب في المواجد أحرفي الظمأى إلى ألق القصيدْ
ليظل زهر البوحِ في أجفانها حلما تكحل بالشذى
وطن يسافر في مدي أن ارتحلت فكيف أمتهن الهروبْ؟
وطن بقامة هذي الشمس يرفعُ رأسهُ
ويضمني ضم الحنانْ
ويشدني نحو الأمانْ
في أزمة مع ذا الزمان وأزمتي مع ذا المكانْ
إلى أن يقول:
يتوشح الأمل الكبير مشاعري مثل الغمامْ
والفجر يسمح عن هواجسي خوف الظلامْ
وسنابل الأمل المغرد بلسم في عالم من أرجوانْ
تتبسم اللحظات فيها عن رؤى جذلى
يشعشعها المدى شوقا إلى الوطن الفسيحْ.
ويختمها بقوله:
أنا في درب المحبة سائر
رجلاي ثابتتان في سيري إليكْ
أشحذت كل عزائمي
أحرقت كل سفائني
وركبت ضوء مشاعري شوقا إليك
وطني أنا ما رسمتك في حدود خريطة
كلا!
ولم أرسم نهاية رحلتي في مقلتيكْ.
إيجاز صحفي