منذو إجازة التعديل الدستوري يوم 5 أغسطس2017 والنخبة –إن صح الإطلاق- تنتظر تغييرا وزاريا يدعى على نطاق واسع، أنه سيتم من حين لآخر، إلى أن استقرت الشائعات على القول، على أن ذلك التغيير الوزاري المرتقب سيظهر مباشرة بعد الاحتفال بعيد الاستقلال.
ترى ما الداعي للتركيز على خبر التغيير الوزاري المروج له، هل هو محض الفراغ، أم اعتقاد البعض، أن الإتيان باسم محل آخر، يكفي بلسما سحريا، لتجاوز كل المحطات المعقدة وحل كل أزمات ومعضلات الوطن، الثقيلة المتنوعة.
ولابد من التذكير في هذا السياق أن حكومات موريتانيا أدمنت على مدح الرؤساء والقادة المتغلبين، بدل التركيز على البرامج.
بينما نلاحظ في الغرب، دفاع الوزراء عن برامج حكوماتهم ،بدل الإشادة الزائدة اللافتة المرضية بالأشخاص المتحكمين في الواجهة الرسمية.
إن هذا الأسلوب بحاجة للمراجعة رسميا ورئاسيا وأخلاقيا ونخبويا، من جهة أسلوب الدولة وتوجيهات الرئيس وتصور النخبة ونهجها، كل هذه الجهات وغيرها، مدعوة في موريتانيا بإلحاح، للابتعاد عن المدح المقرف للرئيس ووزيره الأول، وكأنها وقفات مقدسة لابد من الإتيان بها، دون نقصان، ولو تم التهاون في المقابل، بالجوهر، أي الصالح العام والبرنامج الحكومي المنشود، تسييرا وتنفيذا، لرفع مستوى الخدمة العمومية من أي نوع، لصالح المواطن، دون تمييز مطلقا.
سنظل في حصار ذاتي لأنفسنا بأنفسنا، ما ركزنا على المديح والهجاء، حيث يحرص أغلب الممتهنين للموالاة الرفع من منسوب الإشادة، وفي الطرف المعارض الراديكيالي، يبالغ أنصار ذلك التوجه، في الحرص على التأفف من كل ما هو رسمي، ووصفه بحق وبغير حق بأقذع الأوصاف والشتائم،دون حساب وترفع أحيانا ،عن بعض الأساليب السوقية الهابطة.
فهل يفيق السلطان يوما والنخبة في كلا الضفتين، إن صح الإطلاق، ويقولون بإجماع ورشد، الدولة أولا، قبل التنويه الزائف بالأشخاص البارزين أو التحامل عليهم من وجه آخر.
إن غيرنا في بعض دول الغرب، استطاع تغليب الدفاع عن سياسة الحكومات وبرامجها ،بدل المديح المجاني المترهل المكشوف المخل بالحياء والذوق الخاص والعام على السواء، كما أن المعارضة عندهم –أي في الغرب- تفضل غالبا نقد البرامج على استهداف أعراض الأشخاص.
الكثير من الأطر وأصحاب الطاقة والكفاءة أحيانا، يترفع عن العمل في حكومات موريتانيا المتعاقبة، تفاديا لأن يتحول إلى مداح وهجاء.
فهم إن لم يشكروا وبأسلوب مطلق الرئيس ووزيره الأول وبعض الرموز العسكر ربما، يكونون قد خرجوا من "الراوي" المعتاد في أدبياتهم وسلوكياتهم الخطابية الرسمية المريضة، المسكونة بالنفاق والتزلف بأعلى مقاديره.
وفي المقابل تهمل البرامج وتطبيق المشاريع العامة أحيانا، ما دام الوزير مداحا للرئيس ووزيره الأول، هجاءا، دون حدود، ودون سبب أحيانا، للمعارضة وإيرا وفلام.
ولا يراعى الأسلوب الموضوعي إلا لماما للأسف البالغ، وعند سائر الأطراف تقريبا، الموالية والمعارضة على السواء، فهل ننتبه لأهمية البرنامج النافع الناجع، وتقريبه من مستوى الإقناع والتنفيذ قبل معلقات المدح الهجاء،التي أضحت ومنذو عقود، صاحبة الأولوية، على حساب الصالح العام باختصار وإيجاز.
وعلى ضوء هذا النمط من أسلوب العمل الحكومي الموريتاني، هل يكفي إبعاد وزراء والإتيان بآخرين، لمجرد مواصلة السرك والجوقة الحكومية المعتادة العقيمة.
إن المدح والهجاء لا يكفي لحل الأزمات وتجاوز المعضلات الجمة، وإذا ظل هذا الأسلوب معتمدا، دون مراجعة جذرية، فلا داعي لأي تعديل حكومي، لاقبل ولا بعد الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال.
وإذا كان دور الحكومات عندنا يغلب عليه هذا المنحى، فالأفضل تسجيل ّكاستات" أشرطة ذات محتوى مديح زائد، لصالح الرئيس ووزيره الأول ونهجه المفدى مع التحامل على كل من حاد قيد أنملة، ولو بالنقد الحاذق النافع البليغ.
ونعرض باستمرار هذه الأشرطة لتذاع وتدور وتكرر، لتغني عن عناء استجلاب أو تعيين أشخاص جدد ،قد لا يتقنون المستوى الرفيع المطلوب، من مدح وتزكية الجناب الرسمي، دون تردد أو حذر أحيانا من تجاوز بعض الحدود.
ومن المؤلم أن بعض الوزراء، "يصرون" دون قصد مسيء أحيانا، على الغلط في اسم الرئيس السابق معاوية، فلا يطول بهم الانتظار، حتى يقالون، تأكيدا على أن الأولى المديح والتزكية المطلقة، قبل أي شأن عمومي آخر، أيا كان.
اللهم اهد قومنا للأحسن الأرشد، لسائر الأطراف الموالية والمعارضة، من أجل الوطن فقط.