اللحظات التي شعرت فيها بالقرف من انتسابي لعالم الصحافة في موريتانيا، أكثر من تلك التي شعرت فيها بالزهو و الاحترام.
موريتانيا، وحدها هي البلد التي تخجل فيها حين تنتسب لهذه المهنة الشريفة.. فالصحفي هنا، غير الصحفي في غيرها من بلاد الله الواسعة.
إن مهمة تزويد الناس بالأخبار المجردة ليست هدفا لذاتها.. ليس الهدف أن تخبر الناس بما حدث فقط ليعرفوا أنه حدث. و إنما الغاية والبغية المنشودة من ذلك هي التوعية بالحقوق و بالواجب، واستنفار النفوس لمعالي الأمور وعظائم الهمم. و الحث على الأخلاق و المثل و المبادئ.
الصحافة هي عيون العميان، و ألسنة الخرس، و آذان الصم،، وعقول البلهاء.. و لا يمكن للأمم أن تخطو خطوتها الأولى على لاحب الحضارة ما لم تمتلك صحافة حرة و جريئة و مسؤولة وذات مصداقية.
و لكن لكي يتأتى لهذه الصحافة أن تضلع بمهمتها، فإنه لا مندوحة من أن يتوفر لها الجو الذي تتنفس فيه حرية، وتستنشق فيه حيادا و استقلالية. أما حين يُحارب الصحفي في لقمة عيشه، وتمارس عليه كل الضغوط لينحرف عن جادة الصواب، مثلما يحدث في موريتانيا، منذ حقبة ولد الطائع وحتى الآن، فلن تؤتى المهنة أكلها في النهوض بالوعي الجمعي، و إنما ستصبح مجرد وسيلة للابتزاز ولسد خَلّة الجوع.
الصحافة في موريتانيا، بدل أن تكون عيونا باصرة، هي عمى و عمه.. وهي وقر في الآذان، و جرٍّ للألسنة.. هي مهنة كل الفاشلين في اجتياز الصعاب.. الواجمين أمام تسلق جبال الألب.. هي علف الحيوانات التي لا تفكر في غير بطونها.
يكفيك أن تتصفح المواقع الألكترونية، تصفحا سريعا، حتى تخرج بالانطباع النهائي عن رداءة ممارسي المهنة في موريتانيا، وعن ضعف مستواهم المهني و اللغوي..
الدولة، تتظاهر دائما بأنها تسعى لتنقية “الحقل”.. وحتى بعض الصحفيين الذين لا تخدمهم تنقيته، يلهجون بهذه الأهزوجة الكاذبة.. ولكنها في الواقع إنما تسعى لمزيد من إفساد المهنة و تلويثها.
الصحفي الموريتاني إن تحدث عيي، و أن كتب أَسَفّ.. وأن دافع عن شيء لم يلحن بحجته..
و من ناحية أخرى، فمن المعروف أن الصحافة في العالم هم مضرب المثل في الأناقة و التحضر و التقيد بقواعد الإتيكيت، عكس صحافتنا الحفاة العراة العالة رعاء الشاء، الذين يسوءك منهم المظهر و المضمر.
أعتقد أن علي السلطات أن تكون أكثر جدية في إصلاح الحقل الصحفي، كما أن على الصحفيين الحقيقين أن يكنسوا أدعياء المهنة من محراب صاحبة الجلالة.. و إلا فعلى الوطن السلام..!