سئل أحد اللوردات الانجليز عن أي شيء من وجهة نظره يجسد عظمة المملكة المتحدة فأجاب دون تردد بأنها جريدة التايمز اللندنية لأنها واكبت أجيالا ونورت عقولا ودغدغت مشاعر وقيم العظمة المتجددة لدى كل مكونات التاج البريطاني.
ولو سئل محسوبكم عن أي شيء يجسد جوهر الدولة فى موريتانيا لأجاب دون تردد بأنها جريدة "الشعب" التي جسدت منذ 1975 استمرارية إيصال الخطاب الرسمي والشعبي كل صباح إلى قراء تتسع قاعدتهم باستمرار من بينهم صناع قرار وديبلوماسيون معتمدون في بلادنا ينتظرونها كل صباح ليؤصلوا متابعاتهم الديبلوماسية، وقد كاشفني أحدهم ذات مرة بأن الموريتانيين شعب يتكلم كثيرا لكن جل كلامهم تختصره "الشعب" في اليوم التالي، فالشعب ظلت دائما نافذة إطلال على موريتانيا فهي موجودة بكل أعدادها فى مكتبة الكونغرس الأمريكي وفى معظم أمهات مكتبات العالم الأخرى وغيابها حتى ولو كان مؤقتا يشكل فاجعة إعلامية وخسارة معنوية لدولة تختفي دعامة إيصال خطابها الرسمي وشبه الرسمي ومن لا خطاب له في زمن كونية الإعلام مخترق وغير موجود.
ولن أخوض في الأسباب فهي معروفة ولن أحمل المطبعة الوطنية مسؤولية لا قبل لها بتحملها بل سأقترح خطة إصلاح تسير في اتجاهين:
ــ الاتجاه الأول: إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والشعب وتحديد طبيعة هذه الأخيرة هل هي ناطقة باسم الدولة؟ أم باسم الحكومة؟ أم باسم الحزب الحاكم؟ أم باسم الأغلبية؟ وما علاقاتها بالوكالة الموريتانية للأنباء؟ وكيف تدافع عن سياسات الحكومة فى أجواء التعددية الاعلامية والسياسية؟ ولما ذا لا تكون وسيلة خدمة إعلام عمومية؟ وهل دوريتها ملائمة لمهامها؟ وكيف تتم الاستفادة من الثنائية التكاملية بين الشعب و Horizons وما علاقة كل منهما بالأخرى؟
الشعب و Horizons بحاجة لأن تتخذ الحكومة قرارات حاسمة وسريعة بشأن مستقبلهما وتحديد ماهية عملهما وتوفرلهما مقومات البقاء والتطور.
ــ الاتجاه الثاني: هو إدماج الشعب والمطبعة في دار وطنية للطباعة والنشر والتوزيع تفتح للقطاع الخاص تحتفظ الدولة بأغلبية بسيطة من أسهمها من خلال موجودات المطبعة ومطبعة المعهد التربوي ومطبعة الجيش ومعدات الجريدة الرسمية وتفتح للمطابع الخصوصية التي يرغب أصحابها فى الانضمام للمؤسسة الجديدة التي يكون من أولى مهامها استجلاب تقانة الطباعة الحديثة إلى موريتانيا التي تخلفت كثيرا عن العالم فى مجال الطباعة والنشر والتوزيع.
ولا يساورني شك في أن المليار أوقية المرصودة هذه السنة لطباعة البطاقات الانتخابية بالخارج تكفى لإطلاق دار وطنية للنشر والتوزيع يكون بإمكانها أن تطبع البطاقات الانتخابية محليا وأن توطن تقانة طباعة حديثة في البلاد إن اتخذ قرار الإصلاح بالسرعة المناسبة.
عندما تسير الأمور في اتجاه الإصلاح الجذري نضمن بقاء الشعب وبقاء أخواتها من الصحف الخاصة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة .. أما عندما تسير الأمور على شكل مهدئات دفع أجور لشهر أو شهرين فلن تستمر الشعب وأخواتها في الظهور بل سيستمر هدر المال العام، فإما الإصلاح وما يفتحه من آفاق واعدة وإما استمرار الاندثار وما يفضي إليه من أزمات وكوارث وعلى أصحاب القرار أن يدركوا أن لحظة الحقيقة أزفت ويجب أن يتخذ قرار الإصلاح قبل فوات الأوان.
محمد عبد الله ولد محمد الأمين