في السياسة لا تبدو الأمور على ظواهرها دائما.. فالحكم فيها بالأشياء الكاشفة سطحية، و الممكن الذي تعتبر السياسة فنه، قد يدفع ممارسيها لارتكاب كل الكبائر و المنكرات الأخلاقية.. لأن ” المناورة شطارة، و الدوغمائية موهبة سياسية”..
تواصل، حزب ذو ميول إسلامية.. أو هو بيدق يتحرك على رقعة شطرنج من ذوي العمائم و اللحى الكثة، التي تتخذ من الإسلام شعارا، يَخلُب عقول العامة و الدهماء.. فالسياسة هي فن المُمَكّن أيضا.
تواصل حزب لا يكلفه شيئا أن يجمع بين ضب المعارضة، ناصحة و ناطحة، و نُون الموالاة.. لا يكلفه شيئا أن يشق عصى أي إجماع، أو يخرم أي قاعدة.. فقد فعلها يوم ترشح في وجه مرشح جبهة الدفاع عن الديمقراطية، و جلس رئيسه تحت شمس الملعب الأولمبي الحارقة، محتفيا بتنصيب ولد عبد العزيز خلال مأموريته الأولى.. كما أن بعض رموزهم ظهر أيضا خلال تنصيبه في مأموريته الأخيرة، و قد لا يستبعد أن يفعلوها في المأمورية الثالثة.. فحُبالى أيام “تواصل” المُقربات يلدن كل عجيب.
عوامل كثيرة تلعب دورها في صناعة قرارات تواصل: علاقات الشيخ الددو مع الأنظمة.. و مصالح الحزب السياسية و التجارية ( حتى مصالح باعة الأدوية منهم، و مساعي وسائل إعلامهم في الحصول على إعلانات و عقود إشهار).. و كذلك إملاءات التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.
ففي كل قرار مريب يتخذه “تواصل”، مشاركا في انتخابات تقاطعها المعارضة، أو منسحبا من أخرى تشارك فيها.. فارّاً من زحف أو متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة.. فتّش عن إحدى هذه الدوافع البراغماتية.. و في هذا السياق قد لا يكون مفاجئا للكثيرين أن يستقبل منتخبوه الرئيس الموريتاني في زيارته للحوضين، التي لا غاية منها سوى التحريض على تغيير الدستور، لمنحه فرصة الترشح لمأمورية ثالثة.
لا أدري، لما يثار كل الجدل، لأن منتخبين من حزب “تواصل” استقبلوا الرئيس في الحوض الغربي، و كأن الأمر بدعً في ممارسات الحزب الإسلامي..
ربما تختلف ظروف الزيارة قليلا، فيشنع على المرء في زمان ما يحسُن عليه في زمان آخر..
الرجل يسعى من خلال جولاته هذه لحشد الدعم الجماهيري من أجل تغيير الدستور، و قد ألمح، صادقا أو كاذبا إلى أن “تواصل هي من طالب بذلك.. ثم أن هذا “الفرح التواصلي بولد عبد العزيز” يأتي في سياق مظالم كثيرة: نشطاء حقوقيون يقبعون في زنازين معتمة.. و عمال سنيم المضربون يسامون الخسف و الهوان، و يتجاهل محمد عليون مطالبهم و حقهم في الإضراب، و يركب دماغه الناشف لـ”تأديبهم”، و لو كان ثمن ذلك أن تنهار “سنيم”.
و رغم كل هذا، تُواصل تَواصل ضربها في بيداء لا يُهتدى بمنارها.. فكل شيء مباح حين يُراض لها الحرون و يُذلل الصعب.!
و لاشيء أسهل عند ذي المِقول الذرب من التبرير و إلقاء المعاذير..!
و لكن الحزب الإسلاموي ربما لا يدرك جيدا “أن حجرا يجري، لا ينبت عليه العشب”..!