بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على النبي الكريم
لا أتذكر جيدا ملامح أو أبعاد ذالك الخُص أو العريش الذي اتخذه الفريق مدرسة ابتدائية مطلع السنة الدراسية ثلاث وستين و تسعمائة و ألف. فقد كنت بالكاد ابن ست إن خلون، ضعيف الفطنة و البنية فضلا عن ما يشبه العتاه. أذكر كيف جُلِبت من كتاب الفاضلة التقية الطاهرة فاطمة بنت العباس التي كانت بدأت تحذيقي و إقرائي طرفا من الجزء المقرر لذالك العمر. كانت أوقاتي عذبة تنساب خلفة بين ذاك و الجد في طلب الحساء و اللعب مع ثلة من الأقران عند الكريمة الوادعة ذات الخلق العذب و الفناء الرحب (ممَّاه) مبروكَه منت ابلال. يتأتى ذالك حين تأخذ (يميَّ)ِّ سنة أو يدعوها داع من نافلة أو فرض تقوم له بما يتيح تلك السانحة. أعصرُُ و أزمانُُ خلت وتولت بمن كانوا أهلها فعساها تعود لنا عساها كما تمنى الشيخ البرتلي في أبيات رائعة له. و لكن هيهات لما تمنى فعد عما ترى اذ لا ارتجاع له.
و اذكر يوم تراءى لك سيدي أمام ذالك الخُص أو العريش يضبط صفوف أحداث على ايقاع: هذه يدي ابسطها لأنظرا كفا و خمسة أصابع ترى أو ربما، لست أدري، على وقع ترتيل آخر مما كنا نعي عنه. فكلما سبرت المدى توهمت و لربما خلطت. انقضت أيام و أشهر و سنوات دون أن أضع للمرحلة عنوانا أوأدرك لمجرياتها ميقاتا. و يتنامى الإدراك فأدرك أن سيدي كان شخصية فريدة بميزات و ملامح ذاتية عز نظيرها. أدركت أن الرجل كان واسع الدراية غزير الرواية، ضليعا بمدارك زمانه، زخاخا، سحا، فياضا بها ترتيبا على حاجة المتلقي، مشرئبا إلى معارف من خارج سياقه كالمسرح و الدراما و القصة التي كان منتبها قبل غيره لمآثرها. أدركت أن الرجل كان شاعرا مجيدا و قصاصا حسن الطرفة، أخاذا للألباب. أدركت أن الرجل كان جوادا، سخيا، مدرارا ذا كف ثرة و قلب مفعم بالخير. أدركت أنه كان مربيا ماهرا بالإقراء و الإفهام فلا يكاد يلقي على صخر إلا نفذته مفاهيمه و قسمات وجهه و صوره و تعبيراته البديعة المنتقاة بحذق. أذكر أن أغلب حصصه كان آخر النهار و كان رحمه الله يحرص على صفنا خلف إمام ليقوم بنفسه مرتلا على مسامعنا ما يتعين من تلاوة و دعاء و أحكام لنعيها. ثقلت بذالك موازينهُ و تيمّنت صحائفه و يسُر حسابه. لقد كان رحمه الله من خلال هذا و جملة من المواهب نبراسا أنار دروب أجيال ما كان أبعدها مما صارت بفضله اليه. أجيال سعدت أحداثا بحضور درسه الطامي بعطائه المنساب. و لو سألتني من يكون هذا الذي عرضت لغيض من فيضه فهو إسماعيل ابن محمد عبد الله ابن سيدي عبد الله ابن سيد أحمد ابن محم و أمه خداجه بنت الشيخ سيدي المختار ابن الشيخ سيدي محمد ابن الشيخ سيدي الكبير.فهل أبلغ من هذا أو أمكن في المقابلة؟ و لا غرو إن طابت شمائل من أنتجته جهابذة جلة صلح من حصن رزن طهارى ما تزن بريبة.فسقت جدثا تضمنه الرائحات و الغوادي و تنزلت عليه شآبيب من رحمة الرحمن و بورك في خلفه من بعده و في أفنان دوحته الوارفة و الفارعة باذن الله. و على ذكر الفارعة ابنة طريف الشيبانية يحضرني قولها في الوليد أخيها:
أيا شجر الخابور ما لك مورقا كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتى لا يعد الزاد إلا من التقى ولا المال الا من قنا و سيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم معاودة للكر بين صفوف.
سيدي محمد ابن سيد أعمر