رئاسيات 2019 وحزب الجمهورية من أجل...وقوى التغير والرقص على تصفيق على ألحان الحكيمة(ريل) ؟...
لما حضرت الخليفة عبد الملك ألوفات سمع صوتا يصل إليه من على مقربة من منزله، فسأل عن ذلك الصوت، فقيل له: ذاك صوت غسال يغسل الثياب فقال لينني كنت غسالا أعيش من غسيلي ولم أتولى الخلافة ؟.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق ابرهام لينكونل يقول للسياسيين والقادة الفاسدين"قد تخدع كل الناس بعض الوقت، ويمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"، فهل يتعظ ويفهم رسل الدولة العميقة ودعاة المأمورية الثالثة.
وفي حكم أمثالنا الشعبية" لو كانوا عقلاء لزادهم الدهر تجربة"، وهو قريب من المثل العربي"الحر لا يلدغ من جحر مرتين"، وأهل الاستبداد والفساد لا يعلمون ولا يتعظون ومهما مر عليهم من الآيات غي السياسة وكوارث الأحكام العسكرية، وحالهم الدائم مع الرعية{فاستخف قومه فأطاعوه}.
ودروس التاريخ والوقع السياسي والإداري يقولان لنا أنه: لا مدارات للخلق والفعل السيئ والاستبداد الفاسد، تماما كالشجرة المرة لو طليت بالعسل لم تثمر إلا مرا، أو كذنب الكلب لو أدخلته القالب سنين لعاد إلى اعوجاجه، تماما كحال رجال الدولة العميقة عندنا في ظل أكذوبة الحرب على الفساد! .
لا شك أنه يجب علينا نحن الحالمين بالتغير أن نغتبط الفرصة والاهتمام الذي يوليه الرأي العام للمواضيع التي تثار وتناقش منذ بدأ التعديلات ألا دستورية والانقلاب على الديمقراطية بحل غرفة مجلس الشيوخ بتلك الطريقة المبالغة في النكاية بالديمقراطية تماما ككل الانقلابات التي حصلت عندنا على الأنظمة المدنية ؟
ولا شك كذلك أن موضوع اليقظة والحذر الذي تذكرنا به بعض أجهزة التهويل والتخويف والتخوين للدولة العميقة في كل لحظة من لحظات الانعطاف والمؤامرة على وعينا وقيمنا وعوامل وحدتنا، لا شك أن ذلك موضوع ذو أهمية عظيمة في هذه الظروف، وان أي خطأ في تقدير تلك المجالات والميادين هو خطأ فظيع وقاتل، وخاصة إذا ما كان الأمر يتعلق بمنظومة قيمنا وأصول وحدتنا وفاعلية وحيوية مؤسسات دولتنا ومجتمعنا، ووسائل ضمان حصول التغير في بلدنا .
وهو فظيع بنفس الدرجة وخاصة إذا ما كان يتعلق بقطاع مهم من مواطنينا-المعارضة بكل أطيافها- ورأينا العام الشعبي، وخاصة إذا كان ذلك العمل يضع أمام أعيننا نوعا من الرفض والتناقض الممنهج مع مبدأ ممارسة الحق في النقد الذاتي، وهو مبدأ يفرض نفسه بقوة منطق الديمقراطية وقوة قانون القيم التي ندين بها، وهو مبدأ مفروض أن يتفوق في كل لحظة على كل المبادئ الأخرى .
ولا شك ثالثا أن دعاة ورسل بقاء إخطبوط الدولة العميقة يعتقدون أنه ليس في الإمكان تحقيق أحسن من ما كان، وهم لا ينظرون إلا إلى القشة التي في عين الآخر، وينسون العارضة التي في عيونهم؟
تلكم هي مشكلة السياسة في هذا البلد المنكوب في هذه الأيام بأنكد الساسة وأفشل مشاريع التنمية وخطط بتاء الدولة وحتى في مبتدأ أمره، لا شك أنه عند ما ألقى على مسامعنا القادة المؤسسون لهذا البلد ضرورة وأهمية تقديس وحماية الشعارات القيمية الوطنية: اليقظة، والشرف، والإخاء، والعدالة، لم يكونوا يستجيبون لأسطورة ما، بل لضرورات لا تفقد في حياتنا وفي يوم من الأيام أهميتها، وإن صارت في واقعنا وفي هذه اللحظة الحرجة الاستثنائية أشد ضرورة وإلحاحا، وبعيدا عن مفاهيم مشعوذي ومخابرات الدولة العميقة ومنظورها العسكري القبلي للأشياء .
صحيح أن معارك ومداعبات وضحك أجهزة مخابرات الدولة العميقة معنا، هي مداعبات وسخة وماكرة وضحك أصفر، والكيس الفطن منا يعرف لماذا لأنهم لا يحبون أن نتكلم عن ملفاتهم وبروتوكولاتهم، والواجب على الباحثين عن الحرية والعدالة والتنمية الشاملة، أن يحموا نفوسهم من تأثير تلك المداعبات الخبيثة، فلو قدر أن سمح لنا وهذا أمر مستبعد أن نلقي نظرة على تفاصيل تلك الخطط الخبيثة والبرامج الجهنمية، التي تنفذ في زمن المواجهة والمنافسة، أو في زمن التفاهم والحوار، فإن ما سيهمني يقينا وبالدرجة الأولى ليس هو معرفة أسماء وأدوار أولئك المخبرين في صفوف المعارضة وفي الصفوف الأولى، وإنما سيهمني حالة وآليات وبرامج ومكاسب المعارضة، ومدى فاعلية خططها وبرامجها .
كان لنا عم - رحمه الله- ونحن في البادية خطواته بطيئة جدا وسيره ضعيف للغاية وكان يسافر مع والدته- رحمه الله- على أتان هازل وهو لا يستطيع اللحاق بها فإذا ابتعدت عنه والدته مسافة يناديها: يا أماه انتظريني حتى أسوق بيك الأتان، تلكم هي حال المعارضة وقوى التغير عندنا، فهي ضعيفة الخطوات، بحيث لا تستطيع مواكبة التطورات والحراك والاحتياجات، وإن ظلت تحافظ على نوع من رياضة المشي والإدانات المتكررة قلبا وقالبا .
سادتي قادة المعارضة وقو التغير إن نقدنا لذاتنا لا يبدأ بوعي الآخر لأخطائنا وحتى قدراتنا، بل بوعينا بذاتنا وإمكانياتنا، وليس لنا ولا علينا أن نطالب الآخر بتحمل مسؤولية بيوتنا ، بل إن ذلك هو من أنفسنا ومسؤولياتنا، كان مسلمة بن عبد الملك يقول:"ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم".
سادتي قادة المعارضة وقو التغير كان العالم أينشتاين يقول:"قوة الشعب تفوق قوة الأشخاص الذين في السلطة...والعالم لا يتحطم بواسطة الأشرار بل بواسطة من يشاهدونهم دون أن يفعلوا شيئا"، وأبلغ من كل ما سبق قول الحق جل في علاه:{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
سادتي الحرب التي تدعون أننا وأنتم نخوضها ضد الظلم والفشل والاستبداد والتخلف لا ينتصر فيها بالأسلحة المادية فقط، وإنما بأخلاقية وإيجابية الفعل، وجاذبية الطرح، وقدرته على ملامسة هموم وأشواق الفرد، وانتصار القادة على الأنانية وعبادة شهوات الذات وحسن تصرفهم في الإيثار، لصالح حشد الجماهير نحو انجاز الفعل الايجابي بالنضال الذي يسترخص التضحية الفردية من أجل تحقيق المصلحة الكلية .
يخبرنا التاريخ القريب من تجارب الأمم والشعوب أن مصير روسيا القياصرة ومصير ألمانيا الإمبراطورية لم يحسما في نهاية الأمر على المستوى المادي والعسكري، بل على الصعيد النفسي والسياسي، نعلم أن سلاح إخطبوط الدولة العميقة الفعال في قوى التغير هو الملف الأمني الذي تسحب منه في اللحظة المناسبة أسماء بارزة كانت موظفة للفعل داخل قيادات الصف المعارض، فعند كل أزمة أو منعطفا تبرز من صفوف المعارضة رموز مخابرات كانت مزروعة من أجهزة الدولة العميقة، هم من كان يخدم أو يؤمن مصالح أجهزة بقاء الدولة العميقة، وما لم تصف الصفة وتعلى المصالح العليا والجماعية على الفردية فلن يحصل تغير ولن يتحقق تناوب إلا على منابر الكلام وخيبة الرجاء.
لا شك ولا ريب أن زرع أولئك الأشخاص بالنسبة لأجهزة الدولة العميقة في صفوف كل قوى التغير أكثر أهمية وفاعلية، لكي يستطيع أن يساعدها في كل العمليات، في أوقات الانعطاف والمواجهة والتحدي، تماما كما في زمن التفاهم والحوار، وفي جميع الجبهات في الداخل والخارج .
وتجاربنا السياسية في أكبر محطات العمل السياسي في تاريخنا القريب خير شاهد في الانقلابات والانتخابات والحوارات، وحتى مواقف الجهات المعارضة، فهل تعود النعاج إلى حظيرتها، أم ستظل وجبة سائغة لأجهزة ومخابرات الدولة العميقة، وتبقى المعارضة تغبر أقدام أنصارها وتخفف من الضغط النفسي بتلك الخطب والبيانات المكررة؟!
بقلم: د.محمد المختار دية الشنقيطي