سليمان ولد الشيخ سيدي لا يحتاج إلى تعريف فتقليديا هو نجل الشيخ سيدي باب العالم المجدد والشخصية السياسية الخارقة التي كرست حياتها لتأسيس كيان موريتاني متماسك... لقد كان على موعد مع التاريخ وصنعه منذ رأى النور في 14 يوليو 1924...
ترعرع سليمان في بيت علم وقيادة وريادة (سيرته الذاتية مرفقة) فهو سليل الشيخ سيديا الكبير الذي يشكل في حد ذاته ظاهرة علمية فكرية ثقافية وصوفية مميزة وهو سليل الشيخ سيدي محمد ولد الشيخ سيديا حامل لواء المقاومة الثقافية وصاحب العبقرية الجامحة التواقة إلى التغيير والتجديد وهو الابن المباشر الأصغر لباب ولد الشيخ سيدي الذي لا جدال في ريادته للإصلاح الديني والسياسي في تلك الحقبة ثم إن سليمان رفد مدخلات هذه الأرضية الأصيلة بتعليم عصري مكثف فتح أمامه آفاقا رحبة للتفكير والتعاطي مع الشأن العام بعقلية جديدة تواكب متغيرات العصر.
وخلال فترة وجيزة أستطاع إقامة شبكة علاقات واسعة محلية إقليمية ودولية جعلته دائما في صدارة الأحداث المؤثرة في مسار تاريخ المنطقة والعالم. كان سليمان سياسيا لامعا وخطيبا مسلاقا وديبلوماسيا محنكا وقائد رأي... تميز باللباقة وحسن المعشر ودماثة الخلق والكرم الذي لا يقف عند حد، مما جعله يتحول في فترة وجيزة إلى شخصية وطنية ودولية مرموقة... ومنذ الوهلة الأولى أدرك الرجل أن موريتانيا النصف الأول من القرن العشرين تقف على مفترق طرق فإما أن تتحول إلى دولة مستقلة قابلة للبقاء وإما أن تلتهمها مطامع متربصة... لذلك ناضل ببسالة واستماتة من أجل خيار الدولة موظفا شبكة علاقاته الواسعة.
مكنت علاقات سليمان واتصالاته الإقليمية والدولية، ونظرته الثاقبة للأحداث ومعرفته المعمقة بخفايا الواقع الموريتاني مكنته من سبر أغوار النوايا الاستعمارية الحقيقية وعمل بجهد موصول لتحقيق أهداف وطنية عظيمة بدأت بنضال مستميت لإقناع الفرنسيين بأن موريتانيا منارة علم ورباط معرفة وأن شعبها رغم بداوته الظاهرة شعب طموح بلغ مستويات متقدمة من الثقافة والتسامح والانفتاح تجعل احتواءه مستحيلا وتؤهله للتحكم في مصيره وضمان مستقبله بنفسه.
وكانت صولات المقاومة العسكرية والثقافية وجولاتها تبرهن على مصداقية ما ذهب إليه ولد الشيخ سيديا الذي استطاع ترجمة جهد المقاومة في مكاسب سياسية، ثم تحرك الرجل من أجل إقناع القوة الاستعمارية بأن موريتانيا لا يمكن أن تكون تابعة لأحد وأنها إقليم قائم بذاته ولها خصوصياتها الاجتماعية والثقافية والحضارية مما مهد لفصلها عن المستعمرة الفرنسية بالسنغال ومهد لاحقا لفك ارتباط أجزائها الأخرى بالسودان الفرنسي.
لم يهمل الرجل جوار موريتانيا الإفريقي ووفق في إقناعهم بأن رغبة موريتانيا في بناء كيانها الخاص لا يضاهيها إلا حرصها على تعميق ارتباطها الأخوي المباشر بمحيطها العربي والإفريقي.
في مستوى آخر كرس الرجل معظم وقته وجهده لإذكاء نزعة الاستقلال لدى الموريتانيين إدراكا منه بأن موريتانيا يجب أن تبحر في شراع التحرر وتصبح دولة مستقلة ولتجسيد هذا الخيار الوطني تحرك الرجل في كل الاتجاهات وشكل إلى جانب آخرين نواة صلبة من دعاة الاستقلال وواكب كل مراحله من الاستقلال الداخلي إلى الاستقلال التام في 28 نوفمبر 1960. بعد الاستقلال بدأ الشيخ سليمان الجهاد الأكبر المتمثل في وضع أسس الحكم فنزعته الليبرالية المتقدمة وخلفيته الدينية المتشبثة بالشورى كمنهج للحكم دفعته في وقت مبكر إلى محاربة الأحادية والدفاع عن التعددية في إطار نظام برلماني كان يعتقد أنه الأنسب لترسيخ أركان الدولة الجديدة.
ورغم تراجع الخيار التعددي في فترة ما بعد الاستقلال ظل سليمان يتفانى في خدمة وطنه من كل المواقع واضعا مصلحة البلاد والعباد فوق كل الاعتبارات. ورغم عمقه التقليدي الراسخ كان حداثيا بامتياز فقد ألغى الرق في محيطه منذ 1957 ودفع بآلاف الشبان والشابات إلى رحاب المدارس النظامية وحول بيته وحيه إلى حضانة مدرسية كبيرة خرجت آلاف الأطر التي كان لها الدور البارز في بناء الدولة الناشئة، إدراكا منه بأن امتلاك ناصية العلم والمعرفة هي السبيل لضمان تقدم المجتمع الموريتاني
وحين تتذكر موريتانيا ماضيها وتحتفي باستقلالها فمن الانصاف أن تتذكر الأجيال الموريتانية في شخص سليمان ولد الشيخ سيديا زعيما وطنيا عظيما ناضل بصلابة حتى آخر نفس من أجل أن تكون موريتانيا دولة مستقلة عزيزة الجانب ينعم أهلها بالأمن والاستقرار والرخاء.
نبذة مختصرة عن حياة الشيخ سليمان ولد الشيخ سيدي
ولد سليمان ولد الشيخ سيدي في 14 يوليو 1924 بضواحي بتلميت بعد أشهر من رحيل والده الشيخ بابه ولد الشيخ سيدي.
تربى وترعرع في كنف أمه رملة بنت الحسن ولد سيدي أحمد محم ورعاية إخوته الكبار الذين منحوه كل الاهتمام ووفروا له ظروف تنشئة مميزة.
درس القرءان والفقه وعلوم العربية على عينة نادرة من جهابذة العلماء والمشايخ أمثال:
محمد محمود ولد اكرامه المجلسي وابنه محمد سالم
عبد الودود بن حميه
عبد الجليل ولد عبد الرحمن
محمدالمصطفى ولد ابنو
الراجل ولد داداه وابنه الشيخ عبد الله ولد داداه
1942 انتسب لمدرسة بتلميت تخرج منها سنة 1946 حائزا على شهادة الإعدادية المزدوجة.
التحق بثانوية "فولون هوفن" بداكار وتخرج منها سنة 1949 برتبة كاتب إدارة عامة في حكومة إفريقية الغربية الفرنسية
1953 أصبح مستشارا بجمعية الاتحاد الفرنسي الغرفة الثالثة في البرلمان الفرنسي منذ دستور الجمهورية الرابعة 1946.
1958 انتخب شيخا في المجموعة الفرنسية الإفريقية المنشأة بموجب دستور الجمهورية الخامسة.
في نفس السنة انتخب عضوا في المجلس الأعلى لإفريقيا الغربية الفرنسية ليصبح نائبا لرئيسه "افيليكس هوفوت بونييه". انتخب مستشارا إقليميا ثم نائبا عن مدينة بتلميت منذ إنشاء الجمعية الإقليمية الموريتانية التي أصبحت جمعية وطنية ليصبح نائبا لرئيسها قبل أن ينتخب رئيسا لأول جمعية وطنية موريتانية (برلمان) بعد الاستقلال، في نوفمبر 1962.
1963 استقال الشيخ سليمان من رئاسة الجمعية الوطنية احتجاجا على التوجهات المنافية للتعددية فقد كان من دعاة ديمقراطية تعددية ترتكز على نظام برلماني فعال.
ظل الشيخ سليمان يسخر وقته وجهده لخدمة بلاده من موقعه كأحد أبرز أعيان البلاد ووجهائها، ثم كسفير لبلاده في دول مهمة ثم سفير متجول.
كان السفير الأول لموريتانيا في الولايات المتحدة وممثلها الأول لدى هيئة الأمم المتحدة وهو من أدار حملة الحصول على عضوية الأمم المتحدة بنجاح وتوجت جهوده بحصول موريتانيا على مقعدها في الأمم المتحدة في أكتوبر 1961 وألقى بالمناسبة أول خطاب رسمي موريتاني من على منبر الأمم المتحدة، عبر من خلاله عن جنوح موريتانيا الدائم للسلم والاستقرار في العالم واحترامها لمبادئ حسن الجوار وسعيها لتعزيز التعاون في كافة المجالات مع الجميع، وعبر بقوة عن مساندة موريتانيا لكل قضايا التحرر وللقضايا العادلة في العالم.
عكست إدارة حملة الحصول على مقعد حنكة الرجل الديبلوماسية وخبرته كمفاوض من الطراز الأول مما دفع يوثانت الأمين العام للأمم المتحدة في حينها إلى تهنيئته بحرارة ودعوته ليكون مبعوثه الخاص إلى قبرص التي كانت منطقة ساخنة في ذاك الوقت.
فضل الشيخ سليمان أن يكرس وقته لإنجاز المشروع الوطني الموريتاني فهو لم يكن يوما طالب مناصب... كان هدفه الدائم تأسيس دولة موريتانية قوية عزيزة الجانب وظل يعمل حتى رحيله لبلورة هذا الهدف من خلال إنجاز أعمال ملموسة تنفع الناس وتمكث في الأرض.