يطلق مصطلح الفيروسية أو Viral content على الانتشار السريع لأي محتوى على الانترنت عبر التفاعل الكبير و المشاركة و المشاهدات الهائلة و قد يكون هذا المحتوى صورة أو مقال أو مقطع فيديو و تختلف معايير المحتوى الفيروسي من بلد إلى آخر.
في موريتانيا و لأنه بلد مختلف في كل شيء و له خصوصية ثقافية و اجتماعية راسخة فإن آليات انتشار أو فيروسية المحتوى في هذا البلد تحتاج إلى التركيز على مجموعة من النقاط منها أن الشعب الموريتاني شعب عاطفي بشكل كبير و تتحكم العاطفة في أغلب قراراته، يقول المختصون إن الشخص يحتاج لثمان ثوان لكي يقرر مشاركة المحتوى من عدمها و أعتقد أن المتصفح الموريتاني يحتاج أقل من ذلك خاصة إذا كان المحتوى عن " حالة إنسانية " دون التدقيق طبعا في صحة المحتوى و هو ما حدث مع الفيديو الذي نشرته قناة المرابطون عن عسكري متقاعد يشكو من وصفها بالمرأة الغنية و المتنفذة متهما إياها بسلبه قطعته الأرضية، هذا الفيديو انتشر بشكل فيروسي و أطلقت بسببه حملات تبرع لهذا العسكري رغم أن قضيته لا تعدو كونها إشكالا قانونيا بينه و بين مواطنة أخرى اتضح أنها امرأة بسيطة و ليست بتلك الصورة التي تم نقلها عنها للمشاهدين.
نحن شعب عانى كثيرا من التجاهل و الإنكار و عليه فإن أي محتوى خارجي يتحدث عن موريتانيا أو ظهر فيه العلم الموريتاني أو أي رمز من رموز البلاد سينتشر بشكل فيروسي بين الموريتانيين و ستتم مشاركته بشكل كبير و بحماس و فرح كبيرين و هي حالة تعبر عن هوس الموريتانيين بسماع رأي الآخر عنهم بغض النظر عن كونه سلبيا أم إيجابيا، و الشعب الموريتاني ليس استثناءا عندما يتعلق الأمر بالنزعة الفضولية فتجده منجذبا بشكل كبير إلى أي محتوى يكشف عن جانب لم يكن معروفا لأحد السياسيين أو الشخصيات العامة، إلى جانب المحتوى الذي يوضح تناقضات السياسيين و زلات اللسان. و قد يكون غريبا أو مستغربا أن تنتشر مقاطع مصورة لمختلين عقليا بين الموريتانيين بشكل كبير بين من يراها طريفة و مضحكة و بين من يرى أنها تحمل شفرات و رموز تدل على حكمة تختفي خلف تلك الأجساد المتعبة و العيون الجاحظة و إتباعا لمقولة خذ الحكمة من أفواه المجانين. هذا و تنتشر بين مستخدمي الشبكة العكنبوتية مقاطع تم اقتطاعها من مقابلات تلفزيونية و إخراجها عن السياق بهدف الإثارة و التشويق.
من أكثر الصور التي تستحوذ على اهتمام الموريتانيين هي صور الحالات الإنسانية التي تحتاج تبرعات و صور المسروقات و تأتي السيارات على رأس هذه اللائحة و صور المفقودين من أطفال و شيوخ، إلى جانب الصور النادرة التي تؤرخ لمحطات مهمة من تاريخ البلد.
لا يهتم الموريتانيون بالمقالات العلمية و تنتشر بينهم غالبا مقالات بأسماء مستعارة تفضح بعض الأحداث و الأشخاص فتستحوذ على قدر كبير من المشاركة و التفاعل لمحتواها الفضائحي الذي يشد انتباه أغلب متصفحي الانترنت و ليس الموريتانيين فقط.
الموريتانيون يعانون من مقص رقيب مجتمعي يتحكم في جميع مناحي حياتهم و ينتشر فيروسيا أي محتوى نجا من هذا المقص كالمقاطع الكوميدية الجريئة و التي تربّع على عرشها فترة من الزمن البرنامج الفيسبوكي خدمة العللاء الذي لاقى نجاحا و تفاعلا كبيرين و تلك التي تتناول تابوهات أو محظورات مجتمعية و الطريف أنه و رغم الهجوم الشديد الذي يتعرض له هذا المحتوى إلا أنه ينتشر بشكل كبير و يسهم منتقدوه غالبا في إضفاء طابع الفيروسية عليه لما يسببه لهم من استفزاز.
الشعب الموريتاني لا يعتبر من ضمن الشعوب الصديقة للتكنولوجيا و خاصة الانترنت التي لا تتعدى نسبة مستخدميها في البلاد الــ15.8 بالمائة مع ضعف و فقر في صناعة المحتوى الرقمي المحلي لغياب الأدوات و الدعم و التشجيع رغم وجود مواهب شبابية كبيرة قادرة إن توفرت لها ما سبق أن تصنع محتوى موريتانيا خالصا و إبداعيا.
و حديثي هنا عن فيروسية المحتوى الموريتاني نسبية بطبيعة الحال و لا تقارن أو تقاس بأي جزء آخر من أجزاء الكرة الأرضية و راعيت فيها عوامل كثيرة منها قلة عدد مستخدمي الانترنت و ضعف صناعة المحتوى الرقمي و الخصوصية الثقافية و المجتمعية التي تميز الشعب الموريتاني.