إحقاقا للحق أن أوّل من أطلق عبارة الراكبين بالمجان free riders على الدول المصدرة للبترول من خارج اوبك هو رسالتي للدكتوراه عام 1988 (قبل 27 سنة) حيث أوردت تحليلا علميا دقيقا (بالرياضيات)، وتوضيحا مبسطا قدر الامكان (بالرسوم البيانية)، ووصفا مختصرا شيّقا (بالعبارات) لهذه الدول والدوافع التي تدفعها للقيام بدور الراكب المجاني وتأثيرها على أسواق البترول العالمية.
باستثناء روسيا والنرويج (وأخيرا كندا والمكسيك وكازاخستان) نجد أن الدول المصدرة (net exporter) للبترول من خارج اوبك مبعثرون في شتى أنحاء الكرة الأرضية يتجاوزون المئة دولة بعضها لا تتجاوز صادراتها البضعة آلاف كجنوب افريقيا، وبيرو، وموريتانيا؛ والأكثرية تتراوح صادراتها ما بين 65 إلى 250 ألف برميل كالأرجنتين، وشقيقاتنا (اليمن، سورية، السودان، تونس، مصر) إضافة إلى أن صادراتها متذبذبة من سنة لسنة وأحيانا تتوقف كليا عن التصدير.
كذلك يلاحظ أن غالبية هذه الدول المصدرة للبترول هي دول فقيرة تُصدر إلى الخارج كل -ولا تستهلك شيئا- تنتجه من ذهبها الأسود.
لذا فإن كل دولة من هذه الدول تعرف أنها بمفردها قشّة -لا تأثير لها- في مهب الرياح فسواء أنها أنتجت وصدرت أو لم تنتج ولم تصدر لن يكون لها أي تأثير على السوق.
نأتي الآن لنتفرّغ للنرويج وروسيا كأهم دولتين تفضلان أن تلعبا دور ال: hitchhiking على ظهر حصّة ما يسمى ظُلما وافتراء بالكارتل (مصّاصي الدماء) كالتالي:
النرويج: كدولة أوروبية لها وضعها الخاص لن ندخل في تفاصيله ولكن يكفي أن نقول أنها تعتبر نفسها ملزمة بعادات وتقاليد وشعارات أوروبية متحفظة تحرص أن لا يقال عنها أنها عضو في الكارتل فهي سعيدة بأن تمتص الرحيق من غير أن تمسّها لدغة النحلة.
روسيا: في الواقع هي أكثر دولة مستفيدة من دورها كراكب بالمجان فهي (وفقا لإدارة الطاقة الامريكية) أكبر دولة مصدرة للبترول بعد المملكة، لقد بلغت صادراتها اليومية 7.25 ملايين برميل عام 2013 أكثر من مجموع صادرات ستة دول أعضاء في أوبك (إيران، الجزائر، ليبيا، قطر، أنقولا، اكوادور). أي أن روسيا وحدها تصدر أكثر مما تصدره نصف عدد الاثنتي عشرة دولة الأعضاء في منظمة أوبك.
في مقال قديم في هذه الزاوية قلت فيه إن روسيا بالنسبة لي تمثل لغزا لم أحاول أن أفك طلاسمه وأكرر الآن نفس الادعاء بأن روسيا فيما يخص مواردها الهيدروكربونية لا زالت تشكل لي بعض الغموض فكلما يقترب احتياطها من الحضيض يقفز إلى الأعلى (لا تنسوا أن نظرية أن البترول يحدث بتفاعل كيماوي أصلها لعلماء روس) فاحتياطي بترول روسيا الذي كان قبل سنتين أقل من 60 مليار برميل أصبح في غمضة عين 80 مليار برميل (بزيادة 25%) ولا زال قطبها الشمالي لم يُكتشف.
لا تفهمونني خطأ فأنا لا أقول إن البترول النبيل (من نوع الغوّار) لم يصل ذروته وانه يوجد المزيد لم يُكتشف بل العكس فالمتبقي من البترول التقليدي صعب ومكلف وأقل جودة وفي المناطق النائية والقطبية والمياه العميقة مما يجعل البترول الصخري والرملي رغم ضررهما أكثر جاذبية للمستثمرين.
الخلاصة: اوبك الآن (وحتى في الماضي) ليس لها دور في وضع حد أدنى لأسعار البترول لمدة زمنية طويلة المدى (أكثر من سنة) فمعظم أعضائها ينتجون ويصدرون بأقصى طاقتهم الإنتاجية سواء جهارا عيانا أو بالتحايل على تعريف الحصة. فأوبك بوضعها الحالي مجرد رمز راسخ في العقل الباطن منذ زمن استغلال الأخوات السبعة (الشركات الكبرى) وانحلالها الآن سيؤدي إلى فوضى في أسواق البترول تؤدي إلى ارتفاع أسعار البترول أعلى من حالة وجود أوبك.