في زيارة مفاجئة، وصل الرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، السبت، للعاصمة الكورية الشمالية، للمشاركة في احتفالات اليوم الوطني الكوري الشمالي.
وتعد هذه الزيارة الأولى من نوعها للرئيس الموريتاني الحالي لكوريا الشمالية، التي ليست لها سفارة في نواكشوط، وإنما تدير شؤونها الدبلوماسية مع موريتانيا من خلال سفارتها في العاصمة السنغالية دكار.
وجود ولد عبد العزيز في كوريا الشمالية طرح عددا من التساؤلات، بالنظر إلى موقف المنتظم الدولي من كوريا الشمالية، الدولة التي تعتبر من أكثر البلدان انغلاقا في العالم، كما تؤكد عدد من تقارير الدولية لحقوق الإنسان. ورافق الرئيس الموريتاني، خلال هذه الزيارة، عدد من المسؤولين.
وتتجلى خصوصية الزيارة في أنها تأتي في سياق موريتاني داخلي محتدم، بُعيد أول انتخابات نيابية ومحلية بعد إقرار دستور 2017.
وفي مقابل ذلك، فإنها تأتي في سياق استمرار واشنطن في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على بيونغ يانغ، بعد تخلف هذه الأخيرة عن القيام بخطوات ملموسة للتخلي عن سلاحها النووي.
ففي أغسطس الماضي، أعلن الرئيس دونالد ترامب، عن إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها وزير خارجيته مايك بومبيو، لكوريا الشمالية، كما اتهم الصين بالضغط على بيونغ يانغ، كي لا تلتزم بما تم الاتفاق عليه في قمة سنغافورة في 12 يونيو الماضي، حيث اتفق ترامب مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، على نزع السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية.
وتضمنت هذه القمة، التي كانت الأولى من نوعها بين واشنطن وبيونغ يانغ، توقيع الطرفين لوثيقة التزام بتطبيع العلاقات، وفق إرادة شعبي البلدين، والتأكيد على التزام كوريا الشمالية بإعلان بامنجوم في 27 أبريل، بنزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية.
رسائل ولد عبد العزيز
يرى المحلل السياسي الموريتاني، عبد الله مامادو با، أن لهذه الزيارة عدة دلالات، منها "محاولة الرئيس الظهور بأنه من الرؤساء الثوار الذين يخرجون عن المتعارف عليه دوليا، ولا يخضعون للضغوط، وأن لديه استقلالية في القرار مقارنة مع المواقف الدولية".
ويقول مامادو با، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إنها "أيضا زيارة من أجل توسيع مصادر التسلح، خصوصا أن كوريا الشمالية، على الرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة، تعتبر من الدول المصنعة للسلاح".
زيارة ولد عبد العزيز قد لا تبعث على الارتياح على الصعيد الداخلي الموريتاني، خصوصا أنها تأتي بعيد الانتخابات النيابية والمحلية التي تصدرها حزبه، وشككت أحزاب المعارضة في نزاهتها.
وفي هذا السياق، يقول مامادو با، إن "الزيارة يمكن أن تحمل رسائل للطيف السياسي الداخلي، بإظهار عبد العزيز نفسه بأنه معجب بالنموذج الكوري الشمالي، وهذا شيء لا يبعث رسالة إيجابية".
ويتساءل المتحدث ذاته: "كيف يستجيب الرئيس لدعوة كوريا الشمالية، رغم أنها ليست لها علاقات قوية مع موريتانيا، وتوجد سفارتها في داكار، ولا تجمعهما الاتفاقيات؟".
ويردف المحلل السياسي الموريتاني: "من غير المستساغ أن يكون الرئيس معجبا بكوريا الشمالية، ويقوم بجولات في آسيا، بينما ينتظر الموريتانيون صدور نتائج انتخابات مهمة من لجنة (اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات) عجزت عن الوفاء بوعودها".
من الصين إلى كوريا الشمالية
ما يزيد من التساؤلات حول زيارة محمد ولد عبد العزيز إلى كوريا الشمالية، أنها تأتي بعد أيام فقط من زيارة قام بها للصين، حيث شارك في القمة الصينية الأفريقية، ولقاء ثنائي جمعه مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ.
وفي هذا السياق، يتريث عبد الله مامادو با في الربط بين الزيارتين، ويقول: "من المبكر الجزم بوجود علاقة بين الزيارتين، لكنهما تضعان عددا من علامات الاستفهام، ويمكن انتظار البيان الختامي من زيارة كوريا الشمالية في حال صدوره".
في مقابل ذلك، فإن المحلل السياسي الموريتاني، الولي ولد سيدي هيبه، يعتقد أن "الصين بدأت تطرق القارة الأفريقية، وتأخذ مكانة لم تكن محسوبة لدى الغرب".
ويرى سيدي هيبه، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، أن "كوريا الشمالية تبقى هي الابنة المحمية من الصين لأسباب تاريخية معروفة، وتستعملها كورقة للضغط على الولايات المتحدة".
ويتابع المحلل السياسي قائلا: "من زار الصين، فلا غرابة في أن يزور كوريا الشمالية أيضا".
وفي الوقت الذي يقول فيه سيدي هيبه إن المؤيدين للنظام يقولون إن هذه الزيارة "تؤكد على استقلالية القرار الموريتاني"، فإن المعارضين يعتبروها "زيارة لأبرز الديكتاتوريات في العالم لأخذ الدروس منها".
ويشير المحدث ذاته إلى أن هذه الزيارة تهدف إلى "جذب الاهتمام نحو موريتانيا على أنها تلعب ورقة كوريا الشمالية من أجل الحصول على امتيازات مع الغرب، الذي لا يمكن أن تضحي بالعلاقات معه، خصوصا أن موريتانيا جزء من الفرانكوفونية وتجمعها علاقات قوية مع فرنسا".
العلاقات الموريتانية الكورية الشمالية ليست حديثة، بحسب الولي سيدي هيبة، الذي يضيف: "لم يحدث أن تصدعت هذه العلاقات، بالنظر إلى أن كوريا الشيوعية كانت من بين أوائل الدول التي اعترفت باستقلال موريتانيا، وقامت بإنشاء عدد من البنايات في نواكشوط، منها المتحف الوطني الموريتاني الذي يتواجد في عمارة أهدتها كوريا الشمالية لموريتانيا، كما أن أول مصنع للثياب في موريتانيا كان هدية كورية شمالية".
المصدر: أصوات مغاربية