أخطأ شوقي حين توهم بأن الدنيا تؤخذ غلابا .. الدنيا تؤخذ بالمسايسة الناعمة .. والسياسة فن تحقيق الممكن .. وممكن الفعل السياسي في بلاد المنكب البرزخي متأرجح بين المعارضة النافرة الشاردة الناطحة والمعارضة المهرولة المحاورة والموالاة المتعددة الرؤوس الممدودة الأيادي.
***
بالنسبة لبيجيل ولد هميد لا منزلة بين المنزلتين .. إما أن تكون في خيمة السلطة أو لا تكون .. وحين يجفوك السلطان لبعض الوقت عليك أن لا تستكين الحب دائما للحبيب الأول .. عليك أن تحاول الوصول عبر كل المطبات الالتفافية حتى ولو كانت على شكل حوار طرشان .. فما خلقت إلا لتكون مريدا مسيرا ما في جبته إلا الموالاة .. والموالاة لا تتغير قد يتبدل قطبها لكنها تظل هي هي .. رحل معاوية ورحل سيدي ويوشك محمد ولد عبد العزيز أن يرحل .. لكن الموالاة مستمرة خارج المأموريات .. عبر عن أزليتها العميد عبد الله سالم ولد أحمد واه حين رد على من اتهمه بالتنكر لمعاوية بأنه لم يتنكر لأحد بل ظل ناسكا في معبد الموالاة ومن رحل هم الآخرون .. المولاة لا ترحل قد تغير مواقعها ورموزها والموالون فرسان تموقع ليسوا مع أحد في جوهر الأمور ولا ضد أحد .. هم دائما مع مصالحهم الثابتة والمتغيرة.
***
بيجل ولد هميد رجل مميز يوصف بالوفاء وبالكثير من الأريحية أعطاه الله بسطة في الجسم وسعة في العقل .. هو شخصية هلامية ذات هندسة متعددة الأبعاد .. وجيه اجتماعي .. مريد لمشيخة صوفية .. زعيم لقبيلة .. عمدة لمدينة .. نائب برلماني .. فاعل سياسي بدأ بالحر ومر بالنقابة وتصدر كل أحزاب السلطة قبل أن يؤسس حزب الوئام الذي هو حزب نبع من السلطة .. جرى في أروقتها ويصب فيها.
***
تحول الوئام من أحد روافد بحر الموالاة إلى كلكل مجراه الرئيسي وتحول بيجل من نائب معارض مهرول ومحاور إلى رئيس فعلي للجمعية الوطنية وربما إلى رئيس للحزب الحاكم مستقبلا كلها أمور تشي بأن الرجل أنضج على حين غفلة من منافسيه المباشرين مع الرئيس المنتهية ولايته طبخة سياسية مفعمة بالبهارات الفئوية والجهوية على نار المأموريات التي لا تنطفئ إلا بالبقاء المؤمن أو الخروج الآمن إلى حين.
***
بيجل ولد هميد شخص محوري تحول بقدرة قادر إلى رقم صعب من أرقام مرحلة معقدة وغامضة .. مرحلة حبلى بالمفارقات .. فهل يصبح بيجل رجل المرحلة؟ هل يحتاجه محمد ولد عبد العزيز لتسهيل مرحلة الانتقال أم يعول على وفائه في فترة ما بعد الانتقال؟.
أيا كانت مآلات الأمور يحسب لبيجل أنه ظل موجودا ووفق في تجاوز مرحلة عبثية قتالة كان سيقبع بها إلى الأبد لو اكتفى بمجرد الانتقال من المعارضة المحاورة إلى رقم من أرقام أحزاب الموالاة التي لا تنتظر إن غابت ولا تستشار إذا حضرت .. لقد قفز الرجل على هذه المرحلة وارتمى مباشرة في حضن الرئيس .. في عين اعصار التحولات الجارية وفي كلكان مشهد يتشكل بصورة غريبة فهل يصمد أم تكون قفزته حركة سيزيفية أخيرة نحو المجهول تضع حدا لمشوار سياسي طبعته الواقعية المفرطة والاعتدال المجحف في غياب العدل؟ .. هل بلغ الرجل حده؟ هل ترجل إلى غير رجعة؟ هل قدره أن يضع علامة النهائية لسفر تيه أجنحة نظام معاوية الذي يؤذن انصرام المأمورية الثانية لولد عبد العزيز بنهايته الفعلية؟.
الكاتبة الصحفية / ع - م - ك