"أيها "المكلف بمهمة" .. قالها أحد الزملاء متهكما بعد أن أدرك أنني لم أعد مكلفا بتلك المهمة التي يتحدث عنها هو والتي لم يعد لها محل من الاعراب لا بالنسبة لي ولا النسبة لغيري .. ورغم أني لا أريد أن "أرمي حجرا في البئر التي شربت منها" .. ورغم أنه "يترك الدار من لم يحرق الحطب" .. ورغم حرصي على حفظ العهود والوعود وأداء الأمانات وتقديري لكل الزملاء ولما كان من جميل صيانة لما يمكن أن يستمر من مودة ومحبة فإنني أجد نفسي ملزما بتوضيح أمور جوهرية لزميلي المتهكم ومن خلاله للرأي العام بصورة عامة.
ــ الأمر الأول أنني كنت وما زلت وسأظل متحملا للأمانة ومكلفا بمهمة مهنية نبيلة شريفة سامية وصايتها ضمير لم تدنسه أدران النفاق وآفاقها إنارة رأي عام اعتبره الوصي الأول والأخير وأسعى لتنويره بكل صدق ومهنية، فأنا كإعلامي جازفت باختيار مهنة المتاعب في زمن رديء موار وعلى أتم الاستعداد لدفع ثمن المجازفة عاجله وآجله.
التكليف بهذه المهمة السامية مستمر ومرشح لاتخاذ أشكال وأنماط جديدة ستفصح عن نفسها بنفسها في قادم الأيام.
ــ أما الأمر الثاني فهو تكليف بمهمة إدارية غير محددة المعالم في وزارة كانت العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني وتحولت إلى الثقافة والصناعة التقليدية ويقدر لها أن تتحول في المستقبل إلى أشياء أخرى .. وإذا كان هذا هو التكليف الذي عناه صاحبنا فلم أعد مكلفا بمهمة لا في الأولى ولا في الثانية لأن معالي الوزير السابق سعادة السفير الحالي ترك الأمور معلقة رغم أنه أنجز مرسوم هيكلة الوزارة الجديدة .. والوزير الجديد رتب أولوياته بشكل آخر ولهم كامل الحق في ذلك فلكل منهم الحق في اختيار معاونيه في سياق فهمه لمهامه .. وأنا والوزير السابق واللاحق وزملائي الذين عانوا من شبهة التأكيد ضحايا ممارسة إدارية مشخصنة للغاية، فلو كانت هنالك مؤسسية لاستمرت أمور الدولة رغم تبادل المسؤوليات والأدوار ولكانت هنالك مسارات مهنية تتوج تكريما وتقديرا لمن خدم الدولة، ولكان هنالك تناسب بين أوسمة الشرف الوطنية التي منحت لي وظروف المغادرة، فالأمور يفترض أن تكون مؤسسية ومتكاملة، فما معني أن تمنح الدولة شخصا وسام الامتنان الوطني وتبخل عليه بتأكيد رمزي في شهره الأخير؟.
أقدر تعاطف صديقي المشاكس فقد كنت بالفعل ضحية هذا التسيب العبثي رغم أني قيدوم الكتاب الصحفيين ومقدم على التقاعد بعد أقل من شهر وقد وفقني الله في اسداء خدمات "للدولة الاعلامية" على مدى 30 سنة كنت خلالها قائد رأي ولم أكن حارس بوابة وشهدت وقائع فتنة صحافة "الشرعنة" و "الشيطنة" و "العذيطة الديماغوجية" ووفقت رغم الحرمان والإقصاء والظلم الصريح وفقت في النأي بنفسي عن كل تلك الهرطقات والترهات التي تذهب جفاء وحاولت ما وسعني ذلك أن أعمل بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
لقد عملت على مدار السنوات العجاف مع 26 وزيرا أو مستوزرا في وزارة تغيرت اسماؤها 10 مرات ولم تعد دالة على أي مسمى وضاعت مني أوقات ثمينة وأخالها ضاعت من أقراني في القطاعات الاخرى في محاولة مجاراة البعض والتكيف مع البعض خارج أي منطق مهني.
وبالنسبة لي وصلت الأمور المستوى الحدي للتقبل ولم أعد أبالي بتأكيد التكليف بالمهمة من طرف وزير مغادر أو وزير مباشر حل محله، فلعبة الكراسي هذه لا تزعجني إلا في كونها أنهكت الدولة وشلت مرافقها العمومية فكل فريق يلعن من سبقه .. الاستمرارية غائبة والمؤسسية معدومة والتراكم لا مجال له فى دولة أمزجة تدور حول نفسها بشكل عبثي مقيت.
بالنسبة لي على الأقل جاء الخلاص .. غشيتني الرحمة .. انزاحت السنوات العجاف بدأت عهدا جديدا فيه يغاث الناس وفيه يعصرون .. فألف شكر لمن دفعوني في هذا الاتجاه فهجرة كل منا إلى ما هاجر إليه.
ومسك الختام لما فات والابتداء لما هو آت هو قول الامام علي كرم الله وجهه:
فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به * فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبعُ
أحمد مصطفى / كاتب صحفي وسفير سابق