بالانقلابات العسكرية، التي كانت تعتبر الوسيلة الوحيدة لإنهاء حكم الرئيس، بينما غابت صناديق الاقتراع، واختيار الشعب للحاكم، في ظل دولة ذات حكم مدني.
وشهدت موريتانيا أول انقلاب عسكري على أول رئيس حكم البلاد بعد استقلالها عن فرنسا في العام 1960، إذ أطاحت اللجنة العسكرية للإنقاذ بالرئيس الراحل المختار ولد داداه منتصف العام 1978، وتوالت بعد ذلك انقلابات عسكرية كانت ناجحة وأخرى فشلت في الوصول لهدفها.
وحكم موريتانيا رؤساء انقلابيون، هم المصطفى ولد محمد السالك من 10 يوليو/تموز 1978 إلى 3 يونيو/حزيران 1979، ليأتي بعده محمد محمود ولد لولي الذي حكم حتى 4 يناير/كانون الثاني 1984، ومن ثم محمد خونه ولد هيدالة الذي سيطر على الحكم حتى 12 ديسمبر/كانون الأول 1984، ومن بعده معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع الذي بقي في السلطة حتى أغسطس/آب العام 2005، ليطيح به أعلي ولد محمد فال الذي حكم حتى 19 إبريل/نيسان 2007.
وبعد ذلك وصل سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم، عبر الانتخابات، في مارس/آذار 2007، قبل أن يقود محمد ولد عبد العزيز، الذي كان قائداً للأركان الخاصة بالرئاسة، انقلاباً عليه، وشكل مع ضباط آخرين "المجلس الأعلى للدولة".
بعدها استقال ولد عبد العزيز من المجلس العسكري وسلم الرئاسة لرئيس مجلس الشيوخ، وترشح لانتخابات الرئاسة في 18 يوليو/تموز 2009، وفاز فيها.
وفي الانتخابات التي أجريت في 21 يونيو/حزيران 2014، فاز ولد عبد العزيز بولاية رئاسية جديدة.
وأقرت الحكومة الموريتانية في العام 2012 قانوناً يجرم الانقلابات العسكرية، وغيرها من أساليب وأشكال تغيير السلطة بشكل منافٍ للدستور. وصنفت تلك الأساليب في خانة الجرائم ضد أمن الدولة، وهو أمر يعرض مرتكبيها والمتواطئين معهم لعقوبات قاسية. وبررت الحكومة إصدارها للقوانين الجديدة بكونها جزءاً من نتائج الحوار السياسي الذي جرى بين الأغلبية الحاكمة وأربعة من أحزاب المعارضة قبل أكثر من عام.
وربط الباحث الموريتاني ومؤلف كتاب "موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق"، سيد أعمر ولد شيخنا، بين الانقلابات في موريتانيا ووأد الديمقراطية في ستينيات القرن الماضي "ما حرم البلد من التراكم الديمقراطي المؤسسي على غرار السنغال، إذ نتج عن نظام الحزب الواحد غياب أي آفاق للتناوب السلمي".
وأضاف ولد شيخنا، لـ"العربي الجديد"، "من هنا أصبح الانقلاب وسيلة للتناوب. وكما يقول صموئيل هنتنغتون فإن تدخل الجيش في السياسة هو نتيجة للهشاشة المؤسسية والسياسية".
وتابع "بعد الانقلاب الأول في العام 1978 أصبح الجيش من يدير السلطة، وبدأ بعض كبار الضباط بالانقلاب على بعضهم البعض". وقال ولد شيخنا "عموماً كانت الانقلابات تأتي كحلحلة لوضع داخلي محتقن، ولم يكن هناك انقلاب من أجل الانقلاب في الغالب الأعم.
وكان المؤثر الخارجي حاسماً في الانقلابات وصناعة الرؤساء والإطاحة بهم، بالإضافة إلى وجود أسباب داخلية يتم استغلالها كغطاء للانقلاب".
وقال الباحث الموريتاني، محمد الحافظ ولد الغابد، لـ"العربي الجديد"، إن "ذكرى الانقلاب العسكري الذي قاده معاوية ولد الطايع، في 12 ديسمبر 1984، تشكل تاريخاً مهماً له دلالات متعددة"، مؤكداً أن "البلد قطع أشواطاً باتجاه التخلص من الاحتفال بمثل هذه الذكريات السيئة التي تكرس ثقافة الانقلابات العسكرية، والاستيلاء على السلطة، والاحتفاظ بها، دون بناء شرعية سياسية".
وأشار ولد الغابد إلى أن "العشرينية التي حكم خلالها ولد الطايع أدخلت البلاد في هزات عسكرية وأمنية واستراتيجية كبيرة، وجعلتها دولة هشة، نتيجة الفترة الطويلة من الحكم الاستبدادي والتسلطي".
واعتبر ولد الغابد أن "القوانين التي جرمت الانقلابات تؤسس فعلاً لتغيير الثقافة السياسية لدى الموريتانيين، والضباط الشباب، والفئات العمرية التي تطالب بقطيعة نهائية مع مثل هذه التصرفات، كما أنها تعزز الجانب القانوني والدستوري المتعلق بالعقد الاجتماعي، وتؤسس لانتقال سلس وسلمي للسلطة، وهذا ما ننتظره في 2019".
وقال "حدثت تغييرات في موريتانيا، لكن لا يزال هناك العديد من المخاطر قد تبقي البلد في نفس المربع. كما أن الانتخابات في 2019 قد تؤدي لتغييرات كبيرة، إذ قد يصل رئيس جديد إلى السلطة، وهذا إذا حصل يعتبر إنجازاً كبيراً، كانت موريتانيا بدأته في 2007، لكنه لم يدم إذ عادت الانقلابات من جديد في 2008، مع إطاحة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز بالرئيس المنتخب سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. لكن أظن أن التغيير الكبير الذي عرفته الحياة السياسية، والاقتصادية، والثقافية والاجتماعية، أدى لعدم تحبيذ الناس الانقلابات العسكرية، التي لم تعد أسلوباً مناسباً للحكم ومدخلاً لتأسيس الشرعية السياسية السليمة".