في غياب المغرب الأقصى الذي يحكمه نظام ملكي عماده الوراثة، ستكون 4 بلدان مغاربية هذا العام على موعد مع انتخابات رئاسية تتباين طرقها في موريتانيا وليبيا وتونس والجزائر، لكنها تتقاسم جميعها صداع المحاذير وهواجس التغيير.
تختلف الانتخابات الرئاسية في البلدان الأربعة عن بعضها بعضًا من حيث المنحى الديمقراطي، ومن حيث الغاية منها، فإذا بدأنا بموريتانيا هناك تحضير لحياة ديمقراطية أرادها الجيش في ذاك البلد تماشيًا مع متغيرات كثيرة، وهو تحول ديمقراطي في المنطقة رغم أنّه يشبه نظيره السوداني من حيث افتقاره لآليات الإصلاح الاقتصادي التي تتماشى مع الانفتاح الفكري، كما أنّ الرئاسة الموريتانية في الفترة الأخيرة أظهرت كثيرًا من الاستقلالية عن المحيط الإقليمي، خاصة مع الجارتين الجزائر والمغرب.
حاجة موريتانيا
وأصبح الموقف الموريتاني يتميز بقرب أكبر من الجزائر، وذلك من النواحي السياسية والاقتصادية وقضية الصحراء الغربية، ولكن يبقى في الأخير أنّ موريتانيا تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تقريب أبنائها بعضهم بعضًا، ونبذ القبلية المقيتة بين العرب والزنوج، ولا أدّل على رغبة المواطنين الموريتانيين الجامحة في الخروج من هذه القطبية الفاسدة، من المنتخب الموريتاني لكرة القدم الذي يتشكل في 90% من السود الذين يحملون أسماء سنغالية على اعتبار الحدود المشتركة بين نواكشوط وداكار، وعنصر المصاهرة بين موريتانيا والسنغال.
ليبيا بين الحلّ والانفجار
إذا اتجهنا إلى ليبيا، فإنّ الانتخابات هناك تحمل دلائل على إمكانية الحل أو الانفجار من جديد، لأنّ اسم الرئيس القادم لن يكون بمقدور الليبيين وحدهم اختياره، بسبب انقسامهم وتداخل جهات أجنبية كثيرة عربية وغربية حفاظًا على مصالحها، وما زاد الطين بلّة في ليبيا هو الانقسام الداخلي قبليًا وفكريًا ما بين الحرسين القديم والجديد، واستعداد كل طرف للاستعانة بالأجنبي لضرب الطرف الآخر.
لذلك يبدو أنّ استقرار ليبيا برئاسة جديدة توحّد فيما بين أبنائها هي مسألة بالغة الأهمية لليبيا، ولمنطقة المغرب العربي، ويحتفظ متابعو الشأن الليبي بالأمل كي يتحقق هذا الأمر ثقة منهم في الشعب الليبي، وحدوث العكس معناه الكارثة.
حتمية تونس
أما تونس التي يجمع كل المراقبين بأنها تشكل أنجح تجربة فيما عرف بالربيع العربي، فإن الانتخابات التونسية القادمة لا بد أن تذهب في اتجاه مواصلة الإصلاح الديمقراطي والاقتصادي وقطع الطريق على الجهات التي تريد الحفاظ على مصالحها ضمن الحرس القديم وبقاء نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي والتحالف المشبوه مع بورجوازية العاصمة تونس التي لا تزال تمنع لحد الآن أي إصلاحات جدية وأي تنمية للمناطق الداخلية والحدودية.
ويبدو أنّ هناك وعيًا كبيرًا في تونس بأهمية وضرورة التفاهم والتعايش ضمن أطر القضايا المشتركة، وما يمكن التفاهم عليه، وقد تجلى “المكر” التونسي قي قضية تساوي الميراث بين الإخوة، فبعد ضغط تنظيمات المجتمع المدني العلماني وجهات أجنبية كثيرة، ارتأت الرئاسة التونسية تخيير التونسيين بين التساوي وعدم التساوي في الميراث، وبطبيعة الحال الشعب التونسي في غالبيته سيحتكم إلى الشريعة التونسية، وسيندر من يطبّق مسألة التساوي.
هذه الحيلة في سن هذا القانون أدت إلى تحقيق الضغط الذي مارسته جهات كثيرة على تونس، فبمثل هذه العقلية يمكن حلّ الكثير من الخلافات الفكرية والإيديولوجية، وهذه عبقرية تونسية خالصة.
رهانات الجزائر
في الأخير، لو يمّمنا صوب الجزائر، فإنّ الانتخابات الرئاسية إما أن تحمل معنى التجديد أو الركود، لأنّ من يريد الاستمرارية على طريق الولاية الخامسة للرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، إنما يكرّس ركودًا سلبيًا لا حاجة للجزائر به، فالبلاد الآن بحاجة إلى رئيس يتكلم إلى شعبه ويخرج إليه ويهتم بشأنه، على خلاف ما يحدث الآن من تحاور واتصال عبر البيانات والخطب المكتوبة.
والآن للعصب المعارضة أن تخرج من منطق التخاصم الضيّق على المصالح، لتفكّر في مصلحة الجزائر قبل كل شيء.
انتهاءً، القاسم المشترك بين الرئاسيات المغاربية هو رهان التغيير الإيجابي الذي تحتاجه منطقة المغرب العربي، فالجميع بحاجة إلى رؤساء يزدهرون وينطلقون بشعوبهم وبلدانهم، عوض الوضع الحالي المتميّز بصراعات مسلحة وخلافات سياسية عميقة تنافس على المصالح المادية.
نقلا عن موقع إرم نيوز