بدأ العد التنازلي لإدراج طبق الكسكس في قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وذلك في خطوة تعكس مدى انتشاره عالميا وكيف أصبح الكسكس واحدا من الأطباق المفضلة في عدد من البلدان.
وجاء في تقرير مطول لصحيفة لوموند الفرنسية أن هذا الطبق كان موضوع نزاع سمم العلاقات بين بلدان المغرب العربي، بينما بدأت الجزائر عام 2016 بمساع منفردة من أجل تضمين الكسكس في التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
حينها اعتبر هذا الإعلان فضيحة وإهانة للدول المجاورة التي تدعي كل منها أبوة هذا الطبق، وبالتالي كانت هناك حاجة لعقد اجتماعات متعددة للخبراء من الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا للتوصل إلى حل توفيقي دبلوماسي، مما سمح أخيرا بتقديم ملف مشترك قبل 31 مارس/آذار لتصنيف الطعام الذي يوحد شعوب المنطقة، حسب تقرير الصحيفة.
وقال كاتب التقرير بيير هيم إن هذه القضية استغرقت وقتا طويلا وكانت موضوعا للعديد من المقالات والمنتديات والمناقشات الساخنة في العالم العربي، مما يعطي فكرة عن الأهمية التي يكتسيها الكسكس.
الكسكس قديم
وقال الكاتب إن الوصفة الأولية للكسكس ضاعت في مجاهيل التاريخ، إذ لاحظت المؤرخة لوفي بولنز وجود فوارات الكسكس بمدافن نوميدية يرجع تاريخها لعهد الملك البربري ماسينيسا (238-148 قبل الميلاد). أما وجوده في فرنسا فيعود إلى هجرة الجزائريين منتصف القرن العشرين.
وانتشر هذا الطبق في فرنسا على يد طباخين رجال قبل أن يتحول لوجبة شعبية على يد المواطنين ذوي الأصول الجزائرية الذين قدموا منه "نسخة فولكلورية في المطاعم" كما تقول فاطمة هال الخبيرة بالأطعمة والمولودة في مدينة وجدة على الحدود الجزائرية الفرنسية.
بدعة الكسكس الملكي
وقال الكاتب إن الطهاة في فرنسا يقدمون الكسكس مع أربعة أنواع من اللحوم، بما فيها النقانق "مستفيدين من عادات الطبخ الفرنسية" حسب هال التي ترى أن وضع النقانق في الكسكس بدعة.
وبهذه الطريقة -يقول الكاتب- يعد "الكسكس الملكي" اختراعا فرنسيا، ولكنه مجرد لبوس تسويقي لا معنى له في جنوب البحر الأبيض المتوسط، ولكن فرنسا بالفعل أصبحت لها نسختها الخاصة من الكسكس، وذلك يؤكده وجود هذا الطبق بانتظام بين أفضل ثلاثة أطباق فرنسية مفضلة.
وبالنسبة لماري جوزي ميمون مالكة مطعم الطاجين في باريس فإن "الكسكس الجيد هو أولا وقبل كل شيء منتجات جيدة" ولذلك تلزم نفسها باستخدام منتجات معلومة المنشأ من الملحوالزبد والحبوب وغيرها، كما أورد الكاتب.
الكسكس الحرباء
وقال هيم إنه من الخطأ الاعتقاد بأن هذا الطبق لا يتعدى نحو عشرة أنواع، موضحا أنه يتغير كالحرباء تبعا لخطوط العرض، إذ يمكن إعداده في غرب أفريقيا بالكاسافا أو الفونيو (حبوب خالية من الغلوتين تصلح لمتبعي التغذية الصحية) أو البرغل بالشرق الأوسط، وحتى طحين الذرة مع دقيق السردين أو حليب جوز الهند في البرازيل.
وقد أحصت الصحفية نادية حمام -التي نشأت في جبال القبائل بالجزائر- بعض طرق التحضير الأكثر غرابة في كتابها "عالم الكسكس.. مئة طريقة قديمة وجديدة بالمغرب توارثتها البنات بعد الأمهات" وقالت إنه يحضر في بلادها من طحين الشعير.
ويرى هيم أن سؤال أحد الهواة عن "ما هو الكسكس الجيد؟" يمكن أن يعرف بالبلد الذي يأتي منه، فإذا كان تونسيا مثلا في باريس فالموعد لن يكون بعيدا من قوس النصر حيث يقدم الكسكس بالسمك يوم الثلاثاء.
المصالحة الشاملة
ويقول الكاتب إن الكل يحترم وصفة الكسكس المنزلية، خاصة أن "هناك المئات من وصفات بشمال أفريقيا، إذ أن لدى كل مدينة وكل قرية قناعة كاملة بأن طريقتها هي "الألذ" وكل إنسان هناك يرى أن أفضل الكسكس هو الذي تعده أمه، ولكنه في الأساس "طبق يجمع الكل" كما تقول الكاتبة جاكلين بسموت.
ويعد هذا الطبق الذي صمد لعدة قرون -كما يقول هيم- الوحيد الذي يستطيع أن يجمع المسلمين واليهود والمسيحيين، ويجمع الغني والفقير واللاحم والنباتي، ومن هذه القدرة العجيبة على إنشاء الروابط ولد مهرجان الكسكس بمدينة مرسيليا (جنوب فرنسا) عام 2018.