الجنرال رتبة عسكرية تتوق لها نفوس العسكريين في شتى جيوش العالم... وما زلت أذكر عبارات صديقي الكونونيل "هوان هيو" الملحق العسكري الصيني بالرباط خلال تواصلنا سنة 2003، فقد أخبرني هذا الكولونيل أنه سيتقاعد بعد سنة، إلا إذا رقي إلى رتبة جنرال، -فقلت لماذا لا تتم ترقيتك إلى هذه الرتبة، وأنت من أنت؟ أجاب بأن هنالك حوالي خمسة آلاف عقيد في الجيش الصيني يتمتعون بأقدمية أفضل منه، ولا يمكن تجاوزهم، ثم هنالك شروط أخرى، منها التوفر على سجل عسكري سليم من كل الشوائب واجتياز أربع مراحل دراسية تجمع بين النظري والتطبيقي منها فترة تربص في مدرسة الأركان الانتقائية جدا، ومنها المشاركة فيه ملتقى الممارسات الاستيراتيجية المتقدمة الذي تتطلب المشاركة فيه إتقان لغة أو لغتين عالميتين، ثم هنالك عدد محدد من المناورات، وعدد محدد من المأموريات القيادية، وهنالك أبحاث استيراتيجية لابد أن تنشر في دوريات مختصة ومعتمدة، ولابد أن تحمل تلك المواضيع المنشورة إضافة جديدة في الفكر العسكري، وهنالك أطروحات وشهادات عليا يجب تحضيرها، كل هذا إضافة إلى التقييم الإيجابي للسيرة العسكرية الذي يقوم به رؤساءك ومرؤوسيك ويفضي إلى علامة تقيمية، تمثل معدلا عاما.
خشيت أن يسترسل صديقي الصيني أكثر في شروط الترقية عندهم، فقلت فهمت سيدي العقيد... وفهمت أننا سنخسرك لأنك سائر نحو التقاعد لاستحالة توفر شروط الترقية...
أضاف بلباقة وانضباط الصينيين.. لست عاتبا على أحد هذه رتبة عسكرية مهمة يترتب عليها قيادة فيالق الرجال وحماية مصالح الدول الحيوية.
فقلت هل هنالك مجال للقفز على كل هذا؟ قال: في الماضي كان القيام بعمل عسكري بطولي استثنائي يضع صاحبه على لائحة المرشحين لهذه الرتبة، أما اليوم فنادرا ما يحصل هذا.
في وقت حديث مع صديقي الصيني، لم يكن في موريتانيا إلا جنرال واحد كانت الجنرالية بمثابة وشاح إحالته على التقاعد.
وبين الأمس واليوم جرت مياه كثيرة تحت الجسور العسكرية، فالرتبة العجيبة تسللت بقدرة قادر إلى أكتاف ضباط يتزايد عددهم باستمرار، وتسيل لعاب آخرين ينتظرونها بفارغ الصبر.
والمشكلة بالنسبة لي ولغيري من المدنيين، وربما العكسريين ليست في طبيعة الرتبة، فهي رتبة كسائر الرتب، بل قد تكون المشكلة في الإطار القانوني الذي وضع على عجل والذي حدد شروطا ميسرة للغاية، قد تؤدي إلى منح هذه الرتبة السامية لأعداد لا تناسب حجم القوات المسلحة، ولا مهامها، ثم إنه في غياب الضوابط والمعايير تتحول الرتبة إلى إكرامية تمنح عربونا للولاء أو حسب معايير ذاتية يصعب تحديدها.
وفي مجتمع متعدد الأعراق والجهات والتوجهات، قد يتم الإنجراف الخطر نحو إدخال المعيار الأتني والجهوي، وحتى القبلي، وكلها معايير ضارة تفرغ هذه الرتبة من فحواها.
فهل هنالك معايير أخرى لم يطلع عليها الرأي العام؟ هل قام جنرالاتنا الأشاوس بأعمال عسكرية استثنائية خارقة منحتهم الارتقاء إلى هذه الرتبة دون أن نعلم؟ هل انتظموا في جامعات وأكاديميات عسكرية استيراتيجية دون أن ندري؟ هل قدموا أعمالا فكرية استيراتيجية لا نعلم بها مثلت إضافة للعلم العسكري؟ إذا كنا كمدنيين نجهل ما بطن من خلفيات منح هذه الرتبة، فلابد أن المهتمين القريبين من الأسلاك العسكرية مطلعين على بدايات الامور ونهاياتها ومقاصدها، وعلى أية حال فإن موضوعا بهذه الخطورة، لا يمكن أن يظل بهذه الضبابية، ولابد أن تكون هنالك معايير أهلت هؤلاء لرتبهم السامية لا نعرفها، ومن حق الرأي العام في بلد ديمقراطي أن يطلع عليها.
فالجنرالات تنتظر منهم رعاية مصالح العباد وحماية حدود البلاد، وهم ظاهرة جديدة يحسب لها الشعب ألف حساب لأن الكولونيلات وهم الأقل رتبة سيطروا على كل شيء وارتهنوا كل شيء على مدى 32 سنة، فماذا ينتظرنا مع الجنرالات؟ متى ينتهي سرك تبادل النياشين والأدوار؟ متى يعود الكل إلى موقعه الأصلي؟ متى نكون أسلاكا مهنية مدنية وعسكرية مضمونة المسارات تخدم الدولة والمجتمع وفق آليات قانونية محددة؟
جنرالات في الطريق
تروج إشاعات مفادها أن الإعداد جار على قدم وساق لمنح رتبة جنرال لضابطين أحدهما من القوات الجوية والثاني من البحرية، وحسب نفس الإشاعات فإن القرار سيتخذ فور ما يكمل أصحاب الحظ، فترة السنتين برتبة عقيد المنصوص عليها.
مواطن موريتاني
المصدر : أرشيف "الرأي المستنير"