إن المتتبع للشأن السياسي الموريتاني يظهرله جليا مدى تحكم المؤسسة العسكرية في مجريات المشهد السياسي، وذلك يرجع إلى عدة أسباب وهي:
منذ الانقلاب على أول حكم مدني ونظام الحكم ينتقل إلى العسكري المسيطر إما بالانقلاب على سلفه وإزاحته من الحكم أو تنازل السلف لصالح المنقلب أو الجناح العسكري المسيطر، وذلك ما شاهدناه عند اللجان العسكرية التي تعاقبت على حكم البلاد كان آخرها المجلس الأعلى للدولة الذي أنقلب على أول رئيس مدني يأتي بعد سنوات من حكم المؤسسة العسكرية .
إجماع أغلب الموريتانيين على المؤسسة العسكرية باعتبارها صمام أمان لاستمرارية الدولة ،هذا الإجماع ينقسم إلى مجموعة ترى بضرورة خروج المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية وتفرغها لدورها الأساسي وهو حماية الحوزة الترابية للجمهورية والأهداف الاجتماعية الأخرى. ومجموعة ترى بأنه لا يصلح للحكم إلا ذو خلفية عسكرية وبالتالي تطالب دائما ببقاء الجيش في السلطة، وذلك ما رأيناه في الأسابيع الماضية من دعم ومساندة وتأييد لترشيح الفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني كخليفة للرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز .
ضعف الفعل المعارض وتشرذمه وأنانية البعض من أصحابه وبحث جلهم عن استفادة شخصية آنية ، وغياب الوطنية لدى أكثرهم. وانعدام الثقة بينهم ، هذه الأسباب هي التي تقف اليوم أمام تنسيق الجهود بين الأحزاب المعارضة للتكتل خلف مرشح واحد من أجل خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة ومجابهة مرشح المؤسسة العسكرية والأحزاب التي تدور في فلكها .
إن ما تشهد البلاد اليوم من واقع مزري في شتى المجالات لمرده الأول إلى الطبقة السياسية سواء الحاكمة أو التي تنتظر أن تصل إلى الحكم أو يلحقها الدور، إن الطبقة السياسية سواء الحاكمة أو المعارضة تشترك في تجاهلها وصم آذانها عن الواقع المعاش، وانشغالها في تحقيق مكاسب ذاتية آنية لا تسمن ولا تغني من جوع .
إن من تبنى الخط المعارض يجب عليه التحلي بروح الوطنية في جميع حركاته وسكناته ، وأن يراعي مصلحة البلد لا مصلحته الشخصية ، وأن تكون جميع تحركاته خاضعة لميزان القانون ، وأن لا يتخذ ما من شأنه تهديد وحدة شعبه وبلده مطية للوصول إلى السلطة .
إن الفعل المعارض يجب أن تحكمه روح الوطنية والمسؤولية وأن يتخذ من الديمقراطية منهجا لينير طريقه إلى سدة الحكم .
إن الناظر المتفحص للفعل المعارض في موريتانيا يرى العديد من النواقص نجملها في النقاط التالية :
غياب روح الفريق ، كل يغني على ليلاه كما يقال ،كل حزب سياسي يسعى لمصلحة أفراده(مكتب أو هيئات الحزب) أو رئيسه على الأصح ، لأن معظم الأحزاب السياسية في موريتانيا تتركزالسلطة فيها في يد رئيسها فهو الآمر الناهي ويمتلك جميع الصلاحيات ، بل يعتبر الحزب ملكية شخصية له بل يتوسع إلى ملكية خاصة لعائلته فقبيلته ، فأحيانا نشاهد أحزاب جهات معينة .
غياب الاجماع على معظم القضايا الوطنية: كما شاهدنا في الأيام الأخيرة لم يتم حتى كتابة هذا المقال اتفاق أحزاب المنتدى والتكتل على مرشح موحد يخوضون به غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة التي لايفصلنا عنها إلا بضعة أشهر، لم تستتع هذه الأحزاب المعارضة بعد كثير من اللقاءات والتشاور الاتفاق على تمسية مرشحها لخوض الانتخابات المقبلة ،وهذا التأخير أرجعه إلى عدة أسباب منها غياب الثقة بين هذه الأحزاب والأنانية وتغليب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية، هذه الأسباب هي التي لا تزال حجر عثرة أمام توافق هذه الأحزاب على مرشح توافقي يجابهون به مرشح السلطة والجيش التي أعلنت عنه منذ أسابيع.
يجب على المعارضة الاتفاق على مرشح ذو كفاءة قادر على خوض غمار الاستحقاقات المقبلة والتكتل فيما بينها من أجل انجاحه ، وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية ، وتجاوز كل نقاط الاختلاف والتركيز على نقاط الاتفاق فالوطن في أمس الحاجة إلى انتقال سلس وآمن للسلطة، انتقال ديمقراطي نابع من صناديق الاقتراع ، لايتم هذا الانتقال إلا بضافر الجهود بين جميع الأطياف السياسية من معارضة ومستقلين وهيئات مجتمع مدني ومثقفين وغيرهم ،يجب تضافر الجهود من أجل تغيير نظام الحكم من حكم ذو خلفية عسكرية الى حكم مدني خالص ذو كفاءة وحنكة سياسية .
لقد انجزت الأغلبية الرئاسية مالم يتنجز المعارضة ، وذلك من خلال اختيار الرئيس لخلفه بأشهر قبل نهاية مأموريته هذه الاختيار الذي أتى في وقته سيسهل على الأغلبية الحاكمة والأحزاب القريبة منها التنسيق من أجل انجاح مرشح السلطة ، على عكس أحزاب المعارضة التي لم تتفق حتى اللحظة على مرشح توافقي .
إن ترشيح الاغلبية الحاكمة والأحزاب القريبة منها للفريق محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني يسصعب مهمة المعارضة ويقلص خظوظها في الفوز في الانتخابات المقبلة ، حيث يمثل وزير الدفاع الحالي محمد ولد الغزواني محل اجماع لدى المؤسسة العسكرية وكذلك الساحة السياسية المحلية والدولية ، هذا الاجماع لا محالة سيصعب مهمة المعارضة إن لم يجعلها مستحيلة ،في ظل ماتشهده هذه الأحزاب من الداخل من مشاكل اقتصادية و اختلاف في وجهات النظر.
وفي الختام متى سيأتي ذلك اليوم الذي نرى فيه موريتانيا مزدهرة تحكمها طبقة سياسية وطنية بامتياز تقدم مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية لأفرادها ويرجع الجيش إلى ثكناته وإلى مهامه الطبيعية الذي أنشئ على أساسها، ويغادر الحياة السياسية بلا رجعة ، ويحكمنا رئيس مدني ذو كفائة علمية وخبرة سياسية ، ويضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويكون هنالك فصل حقيقي للسلطات ، ومعارضة حقيقية تعارض وتهادن من أجل مصلحة الوطن فالوطن هو همها الأول لا مصالحها الشخصية الضيقة ، تنقد البرنامج السياسي لا الأشخاص ، تضع دائما في نصب عينيها مصلحة الوطن و المواطن ، فاللهم ولي أمورنا خيارنا .
بقلم: الأستاذة منى اكبرو