الاتحاد المغاربي بين حلاوة الكلام والشلل التام

ثلاثاء, 02/19/2019 - 08:38

تحل الذكرى هذه اﻷيام الثلاثون لتأسيس اتحاد دول المغرب العربي، الذي رأى النور في قمة خماسية احتضنتها مدينة مراكش المغربية يوم الـ 17 من فبراير 1989. وكما هو معلوم، فإن تأسيس هذا الاتحاد جاء كما نصت ديباجة معاهدته لتأكيد التزام أعضائه ( المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا وموريتانيا ) لأواصر الأخوّة التي تربط بينهم وبين شعوبهم، وتحقيق رفاهية وتقدم مجتمعاتهم والدفاع عن حقوقها وسيادتها.. ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، ناهيك عن العمل على تحقيق حرية الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال.

والواضح أن هذا الإنجاز الذي بدا كبيرًا في حينه، ما كان ليرى النور لولا أنه جاء في ظروف إقليمية ملائمة، إذ شهدت المنطقة المغاربية سنة 1987 تغييرًا جوهريًّا في قمّة السلطة بتونس، وشهدت سنة 1988 خطوة انفتاحية كبيرة من طرف المغرب تجاه الجزائر بحضور الملك الحسن الثاني رحمه الله القمة العربية الاستثنائية التي احتضنتها العاصمة الجزائرية في يونيو من تلك السنة، والقمة المغاربية غير الرسمية التي انعقدت على الهامش في منطقة زيرالدة، والتي اعتبرت أول لبنة في بناء صرح اتحاد دول المغرب العربي.

ورغم التشبث الواضح لكل دولة بسيادتها، كما عكسته بنود المعاهدة، فقد بدا واضحًا أنها بلورت الكثير من إرادة القادة لاستعادة زخم أحلام الوحدة والتحرّر التي صاغها جيل الزعماء، الذين قادوا المعارك العسكرية والسياسية ضد الاستعمار، وللعمل من أجل التجاوب مع تطلعات الشعوب نحو اندماج أشمل فيما بينها ولو بشكل تدريجي.

وسعيًا إلى تجسيد الأهداف النبيلة التي تضمنتها كلمات القادة خلال الجلسة الافتتاحية للاجتماع التأسيسي للاتحاد، والتي انعكست في بنود المعاهدة وجعلها واقعًا ملموسًا، اتفقت البلدان الخمسة على إحداث مؤسسات اتحادية دائمة تساعد مجلس الرئاسة على تنفيذ الاتفاقات والقرارات، وتتواصل معه من خلال مجلس وزراء الخارجية. وهذه المؤسسات هي الأمانة العامة ومقرّها الرباط، ومجلس الشورى ومقرّه الجزائر العاصمة، والهيئة القضائية ومقرّها نواكشوط. وقد أضيفت إليها كلٌّ من الجامعة المغاربية واختيرت العاصمة الليبية طرابلس مقرًّا رئيسًا لها، ثم المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية ومقرّه الرئيس تونس العاصمة.

ولكن فورة الأمل والتفاؤل التي اجتاحت المنطقة بعد تأسيس هذا الاتحاد سرعان ما خبت، إذ في سنة 1994 وإثر عملية إرهابية شهدتها مدينة مراكش ونسِب منفوذها إلى الاستخبارات الجزائرية، عاد التوتر من جديد بين قطبي الاتحاد المغاربي المغرب والجزائر، وأغلقت الحدود بينهما ليدخل هذا التجمع الإقليمي برمته في حالة موت سريري بأنشطته وأجهزته كافة. فباستثناء الأمانة العامة الغارقة في روتين بيروقراطي قاتل، فإن باقي المؤسسات الأخرى إما جمدت، وإما لم تر النور مطلقًا.

ومع هبوب رياح الربيع العربي الذي انطلقت شرارته الأولى من تونس واسطة العقد المغاربي، انتعشت الآمال في إمكانية عودة الروح للاتحاد خصوصًا، أن تحدياتٍ جديدةً ضاغطة طفت على السطح، تتطلب تظافر الجهود كافة لمواجهتها. ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث، إذ انكفأت الأنظمة في المنطقة على نفسها، محاولة بشكل منفرد درء المخاطر المحدقة بها من تنامي الظاهرة الإرهابية في منطقة الساحل وفي ليبيا، التي لا تزال الصراعات الداخلية المسلحة، التي تعيشها تشكل مصدر قلق، وعنصر عدم استقرار للجميع.

وفي الوقت الذي يزداد فيه الوعي العام بضرورة تجاوز حالة الشلل التي يعيشها الاتحاد المغاربي، لا يبدو في الأفق أيّ بارقة أمل في هذا الاتجاه. ولا شك أن قادة المنطقة سيكتفون هذه السنة وكالعادة، بتبادل رسائل التهاني بالمناسبة، وسيؤكدون من جديد أنَّ التوجّه الوحدوي لدولهم ولشعوبهم هو خيار إستراتيجي في تناقض صارخ مع معطيات الواقع، التي تشير إلى أننا -للأسف- أمام تجمع عربي جهوي يكاد يكون جثة هامدة لم تجد من يكرمها بدفنها.