(أعلنت رئاسة الجمهورية أنه بموجب مقرر صادر اليوم الجمعة تم تعيين السيد (...) مفتشا عاما للدولة)"و – م – أ"
أن يعين المفتش العام للدولة بمقرر، فتلك آلية تعيينه النصية المعهودة.
لكن غير المعهود هو أن تكون رئاسة الجمهورية هي المعلن عن صدور ذلك المقرر، ودون ذكر جهة إصداره تحديدا !
نص المرسوم رقم 2018-293 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2018 المتعلق بتنظيم رئاسة الجمهورية في مادته السادسة على :" يمارس وزير الدولة المكلف بمهمة سلطة الاشراف على المفتشية العامة للدولة، وهو على صلة بمحكمة الحسابات"
بموجب سلطة الاشراف تلك رافقت المفتشية العامة للدولة إذا الوزير الأول المنصرف إلى منصبه الجديد " وزير الدولة المكلف بمهمة"، وخرجت بذلك من سلطة الوزير الأول المعين !
نعم رافقته؛ فتاريخ " تسمية " الوزير الأول في 29 أكتوبر 2018، هو نفسه تاريخ خروج مفتشية الدولة عن صلاحيات الوزير الأول، حتى قبل مباشرته الفعلية والقانونية لمهامه؛ أي قبل أن يقدم برنامجه أمام البرلمان ويلتزم بمسؤولية الحكومة عن ذلك البرنامج، الإجراء الذي تأخر إلى نهاية شهر نوفمبر (22 -23 -24)
في ذلك تفسير لصدور المقرر ليس عن الوزارة الأولى، بل من رئاسة الجمهورية. أما ما وراء ذلك، فربما – فرويديا -يكون هو دافع صدور مقرر التعيين دون ذكر من قام بالتعيين، وكذا التمويه بالرئاسة كجهة إعلان مع أنها لم تعيين !
المرسوم رقم 2018-259 الصادر بتاريخ 25 يوليو 2018 المتضمن تنظيم سير وعمل المفتشية العامة للدولة الذي كان يتبع المفتشية العامة للدولة للوزير الأول ألغي وحل محله المرسوم رقم 2018-326 الصادر بتاريخ 19 دجمبر .2018
عمد هذا المرسوم ببساطة الى استبدال عبارة "الوزير الأول" بعبارة " وزير الدولة المكلف بمهمة"
وهكذا أصبحت (المادة 2) من المرسوم 2018-326 تنص على : " تخضع المفتشية العامة للدولة لسلطة وزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية".
المقرر بقي آلية تعيين المفتش العام للدولة، لكن جهة التعيين تغيرت :"... يتم تعيين المفتش العام للدولة والمفتشين المساعدين للدولة والمفتشين المدققين بموجب مقرر صادر عن وزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية، ويتم وضع حد لمهامهم بنفس الأشكال ".(المادة 3)
حلول تام لوزير الدولة المكلف بمهمة محل الوزير الأول؛ حتى التقارير التي يعدها المفتشون لا توجه منها نسخة للوزير الأول رغم حيوية نتائج تلك التقارير وتأثيرها على مسار ومحصلة العمل الحكومي بشكل عام.
(المادة 9) أصبحت في الصيغة الجديدة تنص على :" تكون كل مهمة تفتيش موضع تقرير يعده رئيس المهمة. يتم إعداد هذا التقرير في ثلاث نسخ موجهة إلى رئيس الجمهورية ووزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية والمفتش العام للدولة.
تتم إحالة التقارير الموجهة لرئيس الجمهورية ووزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية عن طريق المفتش العام للدولة متضمنة اقتراحات عند الاقتضاء.
يتم اشعار المفتش العام للدولة بالإجراءات المتخذة حيال المقترحات التي يقدمها"
صلاحيات المفتشية المحددة في (المادة 7) والتي تصب في خدمة تنفيذ وتفعيل وترشيد العمل الحكومي لم يعد للوزير الأول بها من صلة؛ فطلب الرأي من المفتشية يحتكره وزير الدولة، كما جاء في الفقرة الأخيرة من تلك المادة :" إعطاء الرأي بخصوص القضايا المطروحة من طرف وزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية واقتراح كافة الإجراءات الضرورية الكفيلة بتبسيط الإجراءات وتحسين نوعية الإدارة وتعزير فعاليتها وتخفيض تكاليف تسييرها"
: مفارقات عجيبة
1-أن صدور مقرر بتعيين عن رئاسة الجمهورية عد نقلا خاطئا للأخبار من وسائل الإعلام.
2-أن العدد 1428 بتاريخ 30 دجمبر 2018 من الجريدة الرسمية الذي صدر فيه المرسوم رقم 2018- 293 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2018 المتعلق بتنظيم رئاسة الجمهورية، الذى نقل السلطة على المفتشية العامة للدولة إلى وزير الدولة المكلف بمهمة .حوى وتحت النصوص التنظيمية الخاصة بالوزارة الأولى المرسوم رقم 2018-144 الصادر بتاريخ 17 أكتوبر 2018 الذى يلغى ويحل محل المرسوم رقم 2009-166 الصادر بتاريخ 03 مايو2009 القاضي بتنظيم العلاوات والمزايا المعلقة بوظائف أعضاء المفتشية العامة للدولة ، دون ملاحظة أن مكانها في ضوء ما استجد في المرسوم المتقدم هو : النصوص التنظيمية الخاصة برئاسة الجمهورية.
3- أن مجلس الوزراء مجلس في اجتماع الخميس 14 فبراير2019 حاول تعويض الوزارة الأولى بنقل "الوكالة الوطنية للدراسات ومتابعة المشاريع " إليها من وصاية الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية (المادة 9/ف-2 المرسوم رقم 2018-293 الصادر بتاريخ 29 أكتوبر 2018 المتعلق بتنظيم رئاسة الجمهورية ) ، لكن حتى هذه أيضا تمت على عجل ، لدرجة أن التعديل الذى ستلحق بموجبه بالوزارة الأولى (مشروع المرسوم المعدل والمكمل بعض ترتيبات المرسوم رقم 2009-061 الصادر بتاريخ 23 فبراير 2009، المعدل المتعلق بإنشاء وكالة وطنية للدراسات ومتابعة المشاريع والمرسوم رقم 2009-180 الصادر بتاريخ 3 يونيو 2009 المتضمن المصادقة على نظامها الخاص) صودق عليه في نفس جلسة مجلس الوزراء التي عين فيها مدير عام لتلك الوكالة بصفتها مؤسسة عمومية تابعة للوزارة الأولى ،قبل أن يبلغ المرسوم أجله !
4-أن الكتابة عن الموضوع يجب أن لا ينازع فيها أهلها وقد فضلوا الصمت
كل ذلك مع أن :
1-الخلل في نقل خبر مقرر التعيين ليس بفعل وسائل الإعلام، بل بفعل إعلان الرئاسة الذي لم يذكر أن الوزير الأول السابق الذي هو وزير الدولة المكلف بمهمة حاليا هو من عين بمقرر المفتش العام للدولة.
2-الجريدة الرسمية معنية بنشر النصوص وتزاحم النصوص المتعارضة أو غير المتلائمة أحيانا هو ما جعلها تنشر في صفحات متتالية تحت عنوان الوزارة الأولى نصوصا تنظيمه تعنى رئاسة الجمهورية.
3-مجلس الوزراء صادق على مشروع المرسوم وعمد لإنفاذه في نفس الجلسة ! متفهمة في ظل الحاح تعويض الوزارة الأولى عن مصيبة سلبها(سلاح) المفتشية العامة للدولة ! (تزامن تعيين المفتش العام ونقل السلطة على الوكالة دال بهذا الخصوص)
4-الكتابة عن الموضوع دون الإحاطة بأبعاده القانونية والسياسية، قد تتفهم هي الأخرى لأنها مأمونة الجانب؛ إذ القانون ليس في أحسن أيامه ولا بواكي له
كل ذلك لم يكن ليقع لو لم تنقل السلطة على المفتشية العامة للدولة مع الوزير الأول، حيث كان مقرر تعيين المفتش العام للدولة سيصدر كما في كل مرة عن الوزير الأول دون أن يلفت انتباه أي كان.
غموض الخلفية التي دفعت لنقل السلطة على المفتشية العامة للدولة من الوزير الأول إلى وزير الدولة المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية هو في الواقع سبب تلك المفارقات وأصعبها تعليلا على الإطلاق.
بقلم: يعقوب السيف