كان من الممكن أن يعلن ولد عبد العزيز ترشيح شريكه في سرقة الحلم الديمقراطي بطريقة أكثر ذكاءً، يحترم فيها على الأقل شكل الديمقراطية و إجراءاتها، دون أن يتمادى الغبيُّ في اللعب بالديمقراطية كدمية باربي، و في ملإ وجهها الجميل خموشاً.
لقد وصل ولد عبد العزيز للسلطة بانقلاب أهوج على رئيس ديمقراطي مدني.. و لم تزل تلك الخطيئة الأولى تُعادّه، و لم يزل البلد يعيش جراءها أزمة لا تهدأ براكينها إلا لتثور، و لا تنضب ينابيعها إلا لتفور.. فلماذا يصرّ الغبيُّ على أن يكون ترشيح غزواني بداية أزمة أخرى.؟!
لماذا يكون حفل ترشيحه مؤشراً كاشفاً لانحياز الدولة؟
لم تشارك المعارضة و لا المجتمع المدني في تهيئة الظروف لانتخابات نزيهة و شفافة.. فضلاً عن تبيئة ديمقراطية، تتمايز فيها السلطات، و تضمن حرية الرأي و التعبير، و يجد فيه المواطن نفسه خارج دوائر القبيلة و الجهوية الضيقة، و يكون فيها للمواطنة حقوق و واجبات متكافئة، لا تصادرها الانتماءات السياسية و لا النوازع الإيديولوجية.. و رغم كل ذلك يتم ترشيح ولد الغزواني في حفل مهيب يحضره الرؤساء و ضيوف معتبرون من الخارج، و تشرف عليه الدولة بوسائلها و إمكانياتها، و كأنه “تنصيب” و ليس ترشيحاً.
إذا كانت جودة الطبيخ و رداءته تُعرف من قُتاره، فلعل هذا “الحفل – التنصيب” دليل على أننا على مشارف مرحلة أخرى لا تختلف عن سابقتها في غير “السمات الشخصية”، حسب تعبير فرانسوا هولاند.
مرحلة تبدأ باحتقار الشعب، و احتقار الديمقراطية و كسع قفا قوانين و أعراف الجمهورية..
إذا كانت هنالك دعاية يمكن أن تفتّ في أعضاد العامة و توجه لا وعيهم شطر ولد الغزواني باعتباره “مرشح الدولة” بأبهتها و سطوتها و وعدها و وعيدها و ترهيبها و ترغيبها، فهو هذا التنصيب الذي يسبق الانتخاب.
لا فرق بين بيرام و المدرب تاللّ و ولد ايّاهي و الجنرال محمد ولد الغزواني، باعتبارهم مرشحين للرئاسة، أمام نظام ديمقراطي جمهوري، إذ تتساوى لديهم نفس الفرص و الحظوظ.. لا أن يكون صاحب النياشين و عربة المدفع أوفر حظاً ممن يلقم فمه صافرة حكم..
تلك إذن “خصومة” حكمها خصمها.!
الديمقراطية ليست سريعة التحضير كقهوة النسكافيه، و لكنها تنشئة على قيم الحرية و الحداثة و على الاستقلالية في القرار و الاختيار في مأمن من العقوبة و المصادرة.. قبل أن تكون إجراءات منزوعة الدسم.
إنها روح قبل أن تكون جسداً، و لباً قبل أن تكون قشراً، و نسغاً قبل أن تكون لحى. و لكن هؤلاء اللصوص لم يقتصروا على نهب أقواتنا و ثرواتنا و إنما تجاوزوها ليصادروا أحلامنا و يسرقوا الضوء الشارد المترآي في نهاية النفق.. و هم مع ذلك أغبياء في تلصصهم، فاللص الماهر يسرقك و أنت متهلل الأسارير تخالُه يهديك ماهو سارقه منك.. أما هؤلاء فمن سوء تصرفهم يسرقون ديمقراطيتنا و نحن ندرك جيداً أنهم يسرقونها..!