كان مؤلما حادث السير الذي أودى بحياة فتيان و فتيات في عمر الزهور.. غير أنه لا يمكننا إلا أن نتوقع حصائد أكبر لحوادث السير ما لم يتم التعامل بصرامة مع مخالفة نظام المرور.
حركة السير في موريتانيا أشبه بجبهة حرب، لا تضع أوزارها.. فهي تعكس النفسية الموريتانية التي يثير كل تفاعل ما في قراراتها من رواسب الاضطراب و التشنج..
لا أحد في هذه الصحراء تمت تربيته على الهدوء، فهو يعني في ثقافتها “اتمربيط” الذي لا يليق إلا بالزوايا الخاملين، كما أنه لا معنى للاستحقاق و الأولوية، فالشخص الجسور هو ذلك الذي ينتزع حقوق الناس، ويصادر أولوياتها.. هي عقلية “تهنتيت” و منطلق أنه “لا يسعد المرأة إلا زوج غيرها”.. هكذا أيضا يمارس الموريتانيون حركة مرورهم، فلا معنى لأسبقيتك في المرور، و لا احترام للإشارة الحمراء بلون الدم و الدمار، و لا ضرر من إن يسلط عليك أحدهم أضواء سيارته الكاشفة، فتفقد السيطرة على مقودك.
من أدبيات المحظرة الموريتانية “اعْجَلْ تبطَ”، و ذلك لطالب العلم الذي يستعجل الفراغ من كتاب يدرسه، فيقرأ منه دفعةً أكثر مما يستوعب، ثم يكون مضطرا لإعادة قراءته، بعد أن يكتشف خطأ استعجاله.. و هكذا أيضا يقول المثل المغربي “ازرب تخرب”، وهي حقائق تؤكدها شواهدها حوادث السير التي تسببها السرعة الجنونية في قيادة السيارات.
صديقي عبد الرحمن عاش 14 عاما من حياته ما بين فرنسا و أمريكا، التي تزوج فيها، و قد مارس قيادة السيارات منذ عامه الأول، غير أنه اضطر في نواكشوط أن يركن سيارته جانبا، ويتصل بي لإنجاده، فهو “لا يستطيع القيادة في سيرك”.
الحقيقة أنه من مسؤولية الدولة أن تقوم بتفعيل قوانين المرور، و إن تسهر على تطبيقها، حماية للأرواح، وتسهيلا لحركة السير، و أن تعتمد في ذلك إجراءات بالغة الصرامة، تجلب منافع “الحديد” و تدرأ بأسه الشديد.. فدولة تعجز عن تنظيم حركة سيرها ستكون عما سوى ذلك أعجز. و كما قال أنيس منصور فإن “من لم يضع القانون تحت قدميه لن يضعه بالتأكيد في رأسه”. فإن تعودنا أن نخالف القانون في حركة سيرنا فلن نطيعه في شيء.