إلى الفقهاء والعلماء و المثقفين والمهتمين وطلاب العلم فقد صدر أخيرا كتاب "المواساة" حول بعض النوازل الفقهية التي رد عليها العلامة / الجليل محمد عبد الله بن الشيخ أحمد الجكني الشنقيطي المتوفى في حدود 1307 هجرية / 1890 م رحمه الله تعالى، وقد جمعها وحققها وعلق عليها أخي الفاضل الأستاذ / الشيخ بن محمدُ بن الشيخ أحمد ، وقد طبع الكتاب على نفقة الرجل الفاضل / الإمام ولد أبنو رئيس خيرية أبنو عطاء الله ورئيس مجلس إدارة البنك الشعبي.
ويستمد هذا الكتاب قيمته العلمية وخصوصيته الفقهية من مؤلفه العلامة محمد عبد الله ولد الشيخ أحمد ، لما له من شهرة طبقت الآفاق فقها وعلما وصلاحا... ثم من أهميته موضوعه، الذي هو "النوازل الفقهية" والشواهد والنوادر التي تعتبر خلاصة مطالعات ومدارسات العلماء.
ويعتبر موضوع النوازل الفقهية من أهم الموضوعات الدينية والمباحث العلمية التي اهتم بها علماء الإسلام في كل عصر ومكان، فدرسوها وبحثوها، وفحصوها ومحصوها، وخصصوا لها حيزا من أوقاتهم الثمينة، وقسطا كبيرا من جهودهم الحميدة، وحرصوا على جمعها وتدوينها، وتأليفها وتبويبها حتى يسهل الرجوع إليها والانتفاع بها، وسلكوا في ذلك مسلكا لطيفا ومنهجا طريفا يقوم على عرض السؤال بسط الإجابة الفقهية الدقيقة ، المعتمدة على نصوص الآيات القرآنية ، و الأحاديث النبوية ، وأقوال السلف الصالح من الأئمة والمجتهدين، والنقول المنسوبة إلى كبار الأئمة وهذا ما يبرز أهمية هذا النوع من التأليف، ومكانته بين المؤلفات الفقهية الأخرى.
كما تمتاز هذه النوازل بجزالة الأسلوب، وحسن النظم، والدقة في قواعد اللغة العربية، والتركيز على مسائل بالغة الأهمية في الطهارة والاستبراء، وتجهيز الميت، ومسائل في الأذان والصلاة ، والعبادات والمعاملات ... مما جعلها مواساة لطالب العلم و للمسلم من حيث هو، ولذلك سماها رحمه الله ب "المواساة".
و المؤلف هو محمد عبد الله بن الشيخ أحمد بن الشيخ محمد الامين بن أحمد المعروف بلقبه فال بن عبد الله بن سيد الوافي المحضري الإبراهيمي الجكني، وقد ولد في حدود 1223 هجرية بحاضرة "الكاوية" في الناحية الشمالية من ولاية تكانت.
وقد ترعرع محمد عبد الله ودرس في محضرة والده الشيخ أحمد الذي أخذ العلم على والده الشيخ محمد الأمين أحد شيوخ الطريقة الشاذلية ، كما تصدر في محضرة العلامة سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي الشهير بالعلم والورع والصلاح.
وقد عاش محمد بن عبد الله مقبلا على طلب العلم واستيعاب المعارف فلم يشذ عن قاعدة أسرته وفصيلته ومجتمعه.
عاش العلامة محمد عبد الله بن الشيخ أحمد مكرما مهابا ، وقد تمتع بصلاته الواسعة مع علماء ووجهاء وأمراء بلده، صاهر الأمير محمد محمود بن عبد الله (النهاه) بن لمرابط سيد محمود وقد تزوج سبعا من بناته.
وقد عاش محمد عبد الله غنيا منفقا باذلا علمه وماله لذويه وطلاب العلم عنده كما قال حفيده العلامة الشيخ محمد الامين بن الشيخ أحمد المتوفى بنواكشوط 1400 هجرية في قصيدة منوها بجده محمد عبد الله:
سأمدحُ جدِي العالم المُتفَنِنا @ لقد كان في الأخلاق والْخَلْقِ أحسنا
وكان إماما للنحاة مُقَدّماً @ وكان جلاء للعويصِ مُبَيِنَا
وكان فصيحاً بل فسيحاًجَنَابُه@ وكان مَحَلاً للعلوم ومَعْدِنَا
وكان إذا العافون أَمُّوه مَوْرِداً@ وما كان يخشى صولة الجيش أرْعَنا
فمُدت لهُ الأسباب ُ من بركاته@ وما يُبْتَنى بالدِّينِ نَاداهُ فابْتَنى
وأذَّن للقراءِ في كلِ مشهدٍ @ كما قَبْلُ إبراهيمُ للحجِ أذَّنا
فجاءوا من الأقطارِ من كلِ وِجْهَةٍ@
وُرُودَ الْقَطَا الأوْشالَ ما فيهِ مِنْ وَنَى
مُحَمّدُ عبد اللهِ يا حبَّذا اسْمُهُ@ وَسِيماهُ مِن بينِ الِّرجالِ ذوي السّنا
هُوَ البحرُ إلاّ أنَّهُ كان أَفيَحاً @ هُو البدر لكن كان أبهى وأحسنا
إلى أن يقول :
حنِينَ النِّيَاقِ البيضِ صُبْحاً وعَتْمَةً@ وَتَجوِيدَ آياتِ الكتابِ قَدِ اقْتَنَى
حظي العلامة محمد عبد الله بن الشيخ أحمد بمكانة عظيمة بين قبائل المنطقة لاسيما قبيلة الأنصار "إدوبسات" وله مع كل بطن منها صلة وخصوصية لا سيما بطن أهل آبّ وبالخصوص رئيسها الشيخ سيد أحمد بن اجَّاه، وقد ظل محمد عبد معتزا بعلائقه المتعددة مع قبيلة إدوبسات ، شأنه في ذلك شأن والده العلامة الشيخ أحمد.قد إرتبط العلامة وآباءه بقبيلة البصاديين إرتباطا وثيقا (خؤولته ومنشئه وتلامذة أبيه وجده) وقصة مقاضاته الطريفة ع ابن عمه العلامة الجليل لمرابط بن أحمد زيدان عند المجاهد عبد الرحمن بن سويدأحمد في شأن علاقته بالبصاديين معروفة.
توفي الشيخ محمد عبد الله بن الشيخ أحمد يوم الجمعه في حدود سنة 1307 هجرية وقبره مشهور في بلدة "الغابة" شرقي مدينة كيفه على حدود 25 كلم نسأل الله تعالى أن يتقبل أعماله الصالحة.
خلف العلامة محمد عبد الله ابنيه العالمين اللذين شكلا امتدادا طبيعيا لمدرسته وصدى مسموعا لشخصيته ، وهما والدنا الشيخ لأمه الصلطانه الكبرى بنت محمد محمود ولد النهاه و عمنا العلامة محمد محمود لأمه خادم الله بنت محمد محمودولد النهاه.
أما تلامذته فمن أشهرهم:
- العلامة محمد عبد بن حويه المحضري الجكني
- العلامة محمد الامين بن محمود الجكني
- العلامة أحمد لفرم ولد التار الجكني
- العلامة القاضي الطالب محمد بن لخليفة العلوي
- العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن سيدي البُصادي
- العلامة الشيخ محمد عبد الله بن سيد أحمد البُصادي
- العلامة المصطفى بن أهل إمام البُصادي
- العلامة محمد عبد الله بن آدِ البُصادي
- السيد ابراهيم بن محمد محمود بن النهاه الحاجي
- السيد أحمدُ بن محمد محمود بن النهاه
- العلامة الشيخ بن محمد عبد الله بن الشيخ أحمد
- العلامة محمد الامين بن الصبار البوصادي وغيرهم
وقد ميز الله أسرة العلامة محمد عبد الله بن الشيخ أحمد التي خرج جدها الأعلى من تينيكي قبيل فنائها، بالعلم والورع والكرامات بين كل القبائل خصوصا في قبيلة إديبوسات خُؤولة أبنائه وأحفاده العلماء وظلت مهابة بين قبائل "العرب" "والزوايا" مستقلة بكيانها عبر العصور وزمن السيبة وإلى هذا يشير عمنا العلامة القاضي محمد الامين بن الشيخ بن محمد عبد الله بن الشيخ أحمد رحمهم الله بقوله:
ألاَ إِنَّمَا الدُّنيا عُلىً وَتَقَدُّمُ@ وَسُمْعَةُ أذْنٍ لِلْكِرَامِ تُكَرِّمُ
أخَذْنَا بِأيْدِينَا حِبالَ جُدُودِنَا@ وَنَهْجًا عَلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّالِحَاتُ تُقَوَّمُ
فَإنَّا وَإنْ كُنَّا قَلِيلِينَ عِدَّةً @ لَنَحْنُ عَلَى الآذَانِ جَيْشٌ عَرَمْرَمُ
لأصْيَافِنَا مِنَّا شَرابٌ ومَطْعَمٌ @ وَهَلْ يُبْتَغَى إلاّ شَرابٌ ومَطعمُ
وَما إنْ عَلَيٌنَا أَوَّلَ الدَّهْرِ مَأْثَمٌ@ وَمَا إنْ عَلَيْنَا لِلْقَبَائِلِ مَغْرَمُ
وَأحْكَامُنَا تَجْرِي عَلَى الْعَدْلِ فِي الْقَضَا@ وَمِنْ عِنْدِنَا شَرْعُ الْهُدَى يُتَعَلَّمُ
رحم الله السلف وبارك في الخلف
تنويه: أخرج الكتاب في طبعة جميلة رائعة الأستاذ المناضل : محمد يحي عبد الرحمن