كم هي تافهة هذه الدنيا ولاتستحق الانشغال بها لثانية، تقلباتها عجيبة وشخوصها مربكون وحالها وحالهم غير مستقر.
منذ أيام يحاول أفراد من بلدتي بكل وسائلهم إبراز مبادرتهم الداعمة للجنرال الغزواني مرشح الجنرال عزيز، يبحثون عن القنوات التي ستبث وقائع خطيئتهم الجديدة، يصورون ويركبون ويستفسرون عن أسعار الإشهار في القنوات الخاصة.
سألتهم عن تفاصيل المبالغ المالية المرصودة وكيف حصلوها وعن المساهمين، وعن القرار الذي اتخذوه، وعن أهليتهم للتحدث باسم الساكنة، وعن لماذا لم يجمعوا هذا المال لفقرائهم وما أكثرهم،، سألتهم عن كل التفاصيل لعلمي أنهم لايمثلون إلا أنفسهم، أما الخيار الوحيد الذي لايمكن استفسارهم عنه فهو احتمال دعمهم لبيرام أو ولد مولود أو ولدبوبكر، إذ سأغضبهم بهكذا سؤال، وهنا أتذكر كيف اجتمعوا أياما و أسابيع لتحضير زيارة الأخير حين كان رئيسا لحزب ولد الطايع وكيف أدخلوا يوم مقدمه الهلاليات الساخنة إلى قرية لم تعرف غير خبز بلدي أكثره تراب، في يوم واحد أطعموا القرية بالروائح الزكية، على أنوفنا مرت جميع الفريسكو، وكنا كمراهقين نقتات من تلك الأطعمة لكن فقط عبر أنوفنا، في ذلك اليوم خرج الرجال من “زهاد وصالحين” وعابثين مستهترين، جميعهم يلبسون أحسن الثياب، وجميعهم لم يغسلوا أطرافهم وانما بددوا الماء والصابون على أجسادهم فالخطب جلل والضيف استثنائي،،وحتى حراطين القرية شاركوا و أشركوا لأول مرة فالحدث فلكلوري بامتياز،رائحة القرية منعشة،خليط بين عطر “السودان” “لابيديس” و عطر “الساسة” من “جاز”ايف سان لوران، الخليط وحّد القرية فالضيف هو سيدمحمد ولد بوبكر، أقيمت حلق تربية لتدريب الناس على التواضع وعدم الإكثار من الكلام والتأدب بحضرة الرجل، ثم جاء يوم الزينة و دخل ولد بوبكر البلدة ضحى وهم بنا يلعبون، كان رجلا مؤدبا حسن الوسم و يجامل الجميع، و أذكر أن أحدهم حدث الناس همسا بطريقة يصله فيها كلامه عن أن الرجل شاعر و أديب وزاو، والأخيرة يصفون بها عادة من أعجبهم أو تملقوه من المغافرة.
كان يوما استثنائيا، شحذ فيه سكان “العقل” هممهم الشعرية فدبجوا من الكلم المقفى مالم يقله ولد محمدي على نفس التلة الحمراء التي اقيم عليها سرادق استقبال الرئيس الزائر.
بعد عشرين سنة هاهم يعبدون آلهة اخرى وهاهو الرجل الذي عبدوه يريدهم ويخطب أصواتهم وجماهيرهم، لكن لا، فالزمن مختلف، والمعبود تغير، والنور الذي كان عليه قد انطفأ..ولى زمان الوصل بالأندلس.
مرشح آخر سيصطفون خلفه وسيقومون بذات الخطوات ونفس الطقوس معه وله، لأنهم “يحبونه ولابد انه شاعر ولابد أنه مؤدب” ولابد أن يعلموا الناس طريقة استقباله والتحدث معه ولابد أن يتحدوا بلونيهم للظهور أمامه، خاصة أنه هذه المرة “زاو ومتصوف” ولطيف.
الغريب أنهم سيظلون محترمين لمواسم أخرى، والغريب أنهم ساسة المجتمع وسادة القبائل والآمرون الناهون، والأغرب من كل هذا أنهم قد يقفون أمام المرشح ولد بوبكر وينكرون كل علاقة به وربما أسمعوه عكس ما أسمعوه ذات يوم، حتى إذا عاد مرة أخرى بطريقة أخرى ربما عادوا لتأليهه.. والغريب في النهاية أنهم لايعتزلون.
لاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم.
اتفو واتفو واتفو.