يعني لم تكتفِ سويسرا بأن تكون مضرب مثل عند الشعوب البائسة، والمهترئة من الجوع والقمع والتهميش، ولم تكتفِ بأن تكون صندوق «توفير» بعض السياسيين العرب الذين يجمعون ويدخرون أموالهم وتحويشة أعمارهم من عرق جبينهم بسريّة تامة هناك.. ولم تكتفِ أيضاً أن تكون بلد «الساعات» الباهظة.. و«الجبال» الشاهقة.. وبلد «الشوكلاتة» الفاخرة.. فقد أصبحت عشّ السعادة الدولي بعد أن احتلت للعام الثالث على التوالي أنها موطن «أسعد الشعوب على وجه الأرض».
الخلطة بحدّ ذاتها من دون أن تبحث في أسباب أخرى تجلب السعادة، فعندما يكون لديك حصاد أموال «الشرق» ودقة توقيت «الغرب» فحتماً سترتقي إلى قمة جبل السعادة وتتلذذ بشكولاتة الإنجاز والترفيه، ولِمَ لا يكون السويسري سعيداً ما لم يرَ طائرة واحدة تحلّق في سمائه غير الطائرة الورقية، ولم يسمع صوت انفجار سوى صوت انفجار ضحكات السياح والزوار، ولا يفرّق بين الرصاصة وثمرة البلوط إلا من خلال خبير متفجّرات، ليس كحال أطفال العرب الذين صاروا يميزون بين طائرة الـ«إف 5» من الـ«إف 16» من «السوخوي» من الصوت فقط وهم مختبئون في الملاجئ.
**
كانوا يقولون لنا في السابق: قل لي ماذا تقرأ أقل لك من أنت، لكن الآن قل لي ماذا تصنع أقل لك من انت، فمن يصنع «الوقت» ويصنع «المذاق» يسهل عليه أن يصنع السعادة لشعبه، ترى ماذا نصنع نحن كعرب في هذه الأثناء؟ عدّوا على أصابعكم: في حال الحرب: نصنع أكبر ملجأ أيتام، أسرع برميل متفجر، أوسع أرض محروقة، أعرض مخيم للاجئين، أطول سلسلة بشرية من المهاجرين.. أما في حال السلام المؤقت فندخل في حالة حرب من «غينيس»، أكبر حبة فلافل! أوسع طبق برياني، أضخم طبق كبسة، أنعم صحن تبولة، أطول ساندويشة شاورما، وبالمحصّلة أقل عقل في العالم.
من المنطقي أن يكون السويسري أسعد شخص في العالم، وهو لم يحمل على كتفه سوى كاميرا لالتقاط صورة شائقة، بينما العربي لم يحمل على كتفه سوى البندقية لالتقاط روح شقيقه.
كيف تصبح سويسرياً؟ حلّ عنّا ياااا!