في العام التاسع للهجرة، بعد غزوة تبوك تقاطرت وفود العرب على المدينة معلنين إذعانهم للقوة التي “غزت” الروم.. أسلمت الغالبية، وأذعنت قلة تتحين الفرص. عرف ذلك العام، في التاريخ الإسلامي بعام الوفود ومثل انتصارا للإسلام في جزيرة العرب. لقد نظر العرب إلى الدعوة على أنها شهوة ملك، خاصة أنها ظهرت في قبيلة تمتعت في الجاهلية بسلطة روحية لم تتح لغيرها من القبائل، فاعتقد كثيرون أن الدعوة توسيع للسيطرة خارج الحرم فعارضوها حرصا على مصالحهم، وخوفا من هيمنة قريش على الحل والحرم…
ظلت الانتصارات التي حققها المسلمون على القبائل العربية غير مقنعة لكثيرين لأن تاريخ الجزيرة العربية مليء بالحروب القبلية التي تتغير فيها الحظوظ… لكن حين تشتت الرومان، دون قتال في تبوك أدركت القبائل أن الدعوة تتجاوز الطموح القرشي إلى تكوين دولة ونشر ديانة فتسابقوا لحجز مواقع لهم في الدولة الجديدة…
تربصت الأحزاب السياسية عشرية كاملة. جربوا الثورة، والرحيل فحصلوا على الخف الأول، ثم تابعوا السير بين السوق وابن عباس ليلتقطوا الخف الثاني في الانتخابات. تمنوا انقلابا، فأعجزهم. فعلقوا كل آمالهم على مأمورية ثالثة بددتهم في صحراء السياسة.. فتسللوا فرادا، ثم “بادروا” جماعات.. “يلتحقون”، “يساندون”. أما في الدمن المجدبة “فالرفاق حائرون.. يفكرون .. يتساءلون .. يتهامسون .. يتخيلون: مرشحي من يكون! أشياء وأشياء .. وأسماء وأسماء .. ويضيع كل هذا هباء!” وحتى ينقذ ما يمكن إنقاذه، صرف فعل الكينونة في كل الأزمنة.. “كنا.. وكنتم/ كنتم، كنا/ أقوى منكم.. أضعف منا/ فينا.. فيكم/ فيكم.. فينا/ ونسينا.. ونسينا/…./ أن الكذبة أضحت دينا.”
كان وفد نجران “عادلا”، فقدم نساءه بين يدي ثلة من الرجال الذين ذابوا سريعا في الدعوة الجديدة، فقد كانوا أهل كتاب. ثم نادى “تكتل” تميم من وراء الحجرات، فمنهم من أخذ لنفسه، ومنهم من ألف العناوين الكبيرة، فاتخذ له مذهبا “تجمع” فيه من آفاق شتى “مهاجرون” يحفزهم رفد الأنصار، وتغريهم “أضواء” المدينة… ثم تقاطرت وفود “ثقيف” فكانت الأكثر عددا؛ كل بطن خلف راية زعيمها، وبين يديها ينشد خطيبها.. “إنكم تنزفون!… تساقط الرطب…” بقي من سادة القبيلة زعيم واحد يحوم حول الحمى.. يقدم تدوينة، ويؤخر توضيحا.. فلا يزال حيث كان.. في التيه. يطلب خلافة، وربما منع عود أراك… وكنا في الأغلبية “أنصارا” يحبون من هاجر إليهم، ويعدون العدة لحروب الردة، مرددين.. “إذا جاء نصر الله والفتح…”
نقلا عن صفحة اسحاق الكنتي على الفسيبوك