عد اكتمال إيداع ملفات الترشح للاستحقاقات المقبلة واستعداد حملات المرشحين لحوض الحملات الانتخابية في ظرف يتطلع فيه الكل للحظة فارقة من تاريخ البلاد بعد سنوات من التنافر السياسي الحاد من المفترض تجاوز بعض المسلكيات التي تشكل ارتكاسا في التعاطي الديمقراطي وتشوش على سلامة المسار وتشل من التجاوب الإيجابي بين مختلف الأطراف الفاعلية في المشهد السياسي
ولعل نموذج الإفطار الذي أقامته رئاسة الجمهورية على شرف المنتخبين بحضور قيادات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية من أكثر تلك التجاوزات وضوحا ...فموائد هذا الإفطار ليست بتموبل من جيب خاص ولا من جهة سياسية محددة بل من أكبر وأهم مرفق عمومي يعنى بالمواطنين جميعا من دون استثناء والأموال المصروفة فيه من ثروات هذا الشعب وليست حكرا على قوى سياسية محددة ولا جهة موالية بل من ثروة الجمهورية الإسلامية الموريتانية وصرفه في مناسبة سياسية ذي بعد سياسي محدد تجاوز يتبغي الوقوف عنه
لو أرادت الجهة المنظمة للإفطار أن تكون الأمور جلية وطبيعية لاختارت مكانا غير مرفق عمومي وتمويلا خاصا من تلك الجهة .. ثم إن حضور رئيس الدولة للحديث وخطابه للمنتخبين تحفيزا وتشجيعا إن لم أقل "أمرا" بالوقوف وراء مرشح محدد ودعمه في الاستحقاقات المقبلة يشكل انزلاقا قانونيا فليس لرئيس الدولة الدخول في الحملة بهذه الطريقة المباشرة واستغلال منصبه السامي دعما لهذا المرشح أو ذاك
إن إعطاء الأوامر في مرفق عمومي من قبل رئاسة الدولة و بتمويل من ميزانية الشعب لاختيار مرشح محدد تعد على حقوق البعض ورسالة غير مريحة لشركاء العملية السياسية أن أجهزة الدولة قد تسخر لخدمة طرف محدد وهو ما يتنافى مع طبيتها ومع ما تتطلبه المرحلة من حياد تلك الأجهزة وبعدها عن الاصطفاف خلف هذا المرشح أو ذلك في التنافس الحالي
إن السير في مثل هذا النهج يعطي رسائل عدم طمأنة ويلوح لشركاء العملية من المتنافسين أن السباق سيكون بين مرشحين من جهة وبين أجهزة الدولة ومرشحها من جهة أخرى وهي أمور ستنعكس سلبا على المشهد السياسي وستعيدنا لمربع الأزمات السياسية الخانقة التي يتطلع الجميع إلى تجاوزها في هذه اللحظات الفارقة من تاريخ البلد
وإذا تأكد ما أشيع من أن الزيارة المقررة لرئيس الدولة لبعض المناطق الداخلية إنما تأتي في إطار الحملة للمرشح محمد ولد الغزواني فمعنى ذلك أن الدولة تبعث رسائل مقلقة أنها لن تبقى على الحياد في هذه العملية لاسيما وأن رأس الهرم هو من يقوم بتلك الدعاية بطريقة علنية ومباشرة وهو ما سيغري مختلف القطاعات بالقيام بالفعل ذاته اقتداء وتسننا .
إن أهم خطوى في طريق العبور نحو مسار يرضي الكل وينسجم مع ما يطمح إليه أبناء هذا الوطن هو بقاء جهات الدولة على مسافة واحدة من مختلف الشركاء والالتزام بأداء ما تتطلبه المرحلة ويساهم في تعزيز المسار الديمقراطي لما بعد 2019.
أحمد أبو المعالي