هناك حرب قادمة لا محالة، ستندلع بين السعودية وإيران، وعلى الجميع الاستعداد لها، لمنعها وحقن دماء المسلمين، مهما كانت مللهم ونحلهم، أو لمواجهة تداعياتها الحتمية، الدينية والسياسية وربما الإستراتيجية، والتي قد تفضي إلى قيام حرب عالمية ثالثة الخاسر الأكبر فيها هو الإسلام أولا ثم النفط العربي.
تطورات الأوضاع في اليمن، ومسار الأحداث في العراق والشام، هو جزء من مقدّمات هذه الحرب، التي ستفضي، منطقيا إلى حرب مباشرة بين السعودية وإيران، وقودها العرب السنة والإيرانيون، ونهايتها هلاك الطرفين وضياع مقدّساتهم، بغض النظر عن الظالم والمظلوم.
منطق الأحداث يزكي المسار الكارثي هذا، تدعمه شواهد التصريحات المتشنّجة، الصادرة من الرسميين والمتشددين، ولاسيما في الطرف الآخر، ومنذ وقت طويل وحتى هذه اللحظة.
أذكر شخصيا أنني سألت السيد عطاء الله مهاجراني، وزير الثقافة الإيراني الأسبق، ماذا تريدون في العراق: فأجاب بكل بساطة: نحن نريد أن تكون لبلدنا اليد العليا في المنطقة؟ قال ذلك مباشرة ومن دون دبلوماسية، رغم أنه متحدث لبق وأنيق ويجيد العربية، كان ذلك على هامش مؤتمر الرحالين العرب في الدوحة أول شهر دجمبر 2012.
ومرة أخرى، وفي نفس المناسبة، وكان المسؤول الإيراني يسير بين حشود المؤتمرين خارج قاعة المحاضرات، سألني: من أي بلد أنت؟ قلت له من موريتانيا، سكت هنيهة ثم قال: أنتم شعب له تراث وثقافة، لكن هؤلاء، ويقصد دول الخليج، مثل أطفال الأنابيب، نحن لا نعتبرهم دول؟ صدمت من هذه الوقاحة، لكنني أعجبت بمستوى اعتداد الرجل بنفسه وبدولته وبشجاعته ليعلن رأيه هذا في ملأ من الناس وفي عاصمة خليجية! والمكتوب يقرأ من عنوانه كما يقال.
والحقيقة أن إيران لا تخفي "حقوقها" التاريخية المزعومة في البحرين، ولا تنكر أيضا طموحها إلى الهيمنة في الخليج العربي، الذي تعتبره فارسيا بالتاريخ والواقع وحدث أن بلغ تشدّدها في هذا الموضوع درجة إشعار قبطان طائرة إماراتية بأنّ عليه أن يلغي الخرائط التي تأتي في الطائرة وفيها تسمية الخليج العربي وإلا فلن يهبط في إيران مرة أخرى، وهو حادث موثّق.
الأمور بدأت هكذا وحتى في أوج "الإعجاب العربي" بالثورة وقائدها، حيث قام الخميني وبعد سبعة أيام من نجاح ثورته بإعدام أمير عباس هويدا وزير خارجية الشاه، وذلك بتهمة الخيانة العظمى لأن الوزير وقع على وثيقة استقلال البحرين في 24 مارس 1980م.
في السابع من إبريل العام 1980 قال ولي الله فلاحي، قائد القوة البرية الإيرانية إن العراق "فارسي". وذلك قبل اندلاع الحرب مع العراق بخمسة أشهر. وهو ذاته الكلام الذي كرّره رئيس الأركان الإيراني فيروز آبادي عن أن الخليج ملك لإيران!
وينسب إلى وزير الخارجية لاريجاني أنه صرح ذات مرة: سنرجع العرب إلى "عقر دارهم" في مكة؟ إلى غيرها من التصريحات الرسمية والشعبية، وآخرها وأخطرها تصريح الرئيس الإيراني نفسه حسن روحاني بأن بغداد هي عاصمة الإمبراطورية الفارسية. وهي تصريحات أغضبت حتى أنصاره في حكومة بغداد من الشيعة.
وذهب عالم السياسة النفيسي إلى أبعد من ذلك، حين تحدث عن وثيقة إيرانية سرية عنوانها (أم القرى)، والمقصود مدينة (قم) لا غيرها! ومضمون الوثيقة عبارة عن خطة مفصلة تمتد إلى خمسين سنة للهيمنة على كل الشرق الأوسط باستثناء إسرائيل! والأخطر من ذلك أنها تنتهي بصرف المسلمين إلى الكعبة الجديدة في مدينة (قم) الإيرانية؟ وبالمناسبة لم يكذّب أي مسؤول إيراني هذه الخطة التي أعدها محمد فؤاد لاريجاني وهو من علماء الهندسة المقتدرين ونشر بعضا منها في كتابه (مقولات في الإستراتيجية الوطنية)، لكنه اقتصر على "ما ينبغي نشره" وهو طموح إيران إلى قيادة العالم الإسلامي بوصفها تمثل الإسلام الصحيح.. وهو هدف مشروع لكن بالحسنى وليس بالإكراه.
أما خطب التحريض الطائفي فأكثر من أن نقف عندها وآخرها خطبة واثق البطاط التي هدد فيها باجتياح السعودية؟
رغم الموقف السلفي المبدئي من إيران، تكفيرا وعداء، إلا أن المملكة العربية السعودية عاملت مواطنيها من الشيعة بكثير من الاحترام والتسامح مع تجاوزاتهم الكثيرة، بينما حرمت إيران مواطنيها في الأحواز من حقوقهم وتركتهم للفقر والجوع والتخلف، ونشطت في تهييج الأقليات الشيعية في دول الخليج سرا وعلنا.
لكن إيران تأخذ على العرب، ولاسيما دول الخليج، دعمهم العراق في حربه ضد إيران، وأيضا جلبهم للقوات الأمريكية إلى المنطقة.
لكن حسابات الماضي لن تتطابق، بالضرورة، مع منطق الواقع، بل يجب البحث عن مخرج من هذا النفق لمواجهة الكارثة التي ستعصف بالجميع، محقين ومبطلين، ظالمين ومظلومين.
ويبقى العنصر الديني حاضرا وبقوة في هذا الصراع، لأن إيران تقدم نفسها حامية للشيعة، وهي تعرف التفافا شيعيا منقطع النظير حول الدولة و ولاية الفقيه، بينما لن تكون السعودية وحدها لأن خلفها مليار مسلم سنّي سيحاربون عنها حتى النفس الأخير دفاعا عن المقدّسات.
أنا شخصيا سني تقليدي لكنني لا أكفر موحدا، رغم قناعتي بأن لإيران "إسلاما خاصا بها" هو خليط من المبادئ الإسلامية العامة والموروث الشعبي الإيراني والروح القومية.
أذكر أن السفير الليبي الأسبق في طهران لمدة تسع سنوات وثمان شهور، الدكتور المهدي مفتاح مبيرش (يحاكم حاليا في ليبيا) قال لي في مكتبه: إيران بلد عظيم وشعب عريق لكن الإسلام الذي لديهم يختلف جذريا عن الإسلام الذي تعرفه أنت عند أهلك؟ قلت: هل هم غير مسلمين؟ قال: أنا لا أستطيع تكفير من يقول كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله!
لكن الرجل ترك في نفسي خوفا عميقا من هذا الاختلاف، لأنه هو مختص في فلسفة الشرق ويجيد اللغة الفارسية.
ورغم هذا الاختلاف الخطير، والروح الإيرانية "العدائية"، فليس من مصلحة العرب الدخول في حرب مع إيران، لأنها لن تأتي وحدها، وحليفنا في مغرب الشمس سيخذلنا في اللحظة المناسبة لحماية مصالحه وفي مقدمتها النفط إن لم تحرقه أيادي تنظيم الدولة!
موريتانيا معنية بالحرب القادمة، لأنها دولة مسلمة ويهم~ها مصير الحرمين، ولوجود جاليتها العريضة هناك (100 ألف مواطن)، والتي ستواجه وضعا صعبا في السنوات القادمة سيرغمها لا محالة على الفرار نحو الوطن!
ليس لنا إلا أن نسأل الله أن يعجّل بظهور الإمام المهدي ليوحد صفوف المسلمين، أو نستعد لحرب سيهلك فيها صريح العرب على يد أصحاب الرايات السود القادمة من المشرق؟
ولله الأمر من قبل ومن بعد
د.حماه الله ولد السالم
مؤرخ وكاتب موريتاني