
لم يهدأ حسب استقراءات يوم أمس الأحد، التوتر الدبلوماسي بين موريتانيا والجزائر الذي سببه طرد موريتانيا الأربعاء قبل الماضي لدبلوماسي جزائري ورد الجزائر يوم الأحد الموالي بالمثل على الحكومة الموريتانية.
وجاء انفجار هذه الأزمة بعد أن اتهمت موريتانيا المستشار الأول في السفارة الجزائرية في نواكشوط، بلقاسم شرواطي، بالوقوف وراء مقال يتهم المغرب بإغراق مناطق شمال موريتانيا بالمخدرات، قبل أن تصنف ذلك إساءة للعلاقات المغربية الموريتانية.
وبينما تؤكد التسريبات أن حكومتي نواكشوط والجزائر تسعيان لتجاوز هذا التوتر الذي مس منطقة حساسة في العلاقات السياسية بين الجارين، يتواصل عبر القنوات الفضائية وعبر المواقع الإعلامية في البلدين تأجيج هذا التوتر وتجميع الحطب لإشعال ناره والنفخ فيها من هنا وهناك عبر توجيه الشتائم تارة وعبر تدبيج الانتقادات تارات أخرى.
وكان الصحافي الجزائري توفيق رباحي قد توقع في مقال تحليلي عن هذه الحادثة نشرته «القدس العربي» أخيرا، أن «يعمل البلدان على تجاوز هذه الأزمة بسهولة» «فليس من مصلحة الجزائر، حسب توفيق رباحي، فتح جبهة أخرى مع جوار متوتر ويبعث على القلق، ومن ثمة زيادة احتمال ارتماء موريتانيا في الحضن المغربي، يضيف الكاتب، وليس من مصلحة موريتانيا إضافة عداء الجزائر إلى سجلاتها بينما لا يبدو في الأفق ما يفيد بتحسن علاقاتها مع المغرب».
وعلى هذا الأساس فليس مستغربا، حسب توفيق رباحي، ألا نسمع عنها تصعيداً في وسائل إعلام البلدين في المدى القريب، هذا بالمنطق والعقل، أما إذا غاب الاثنان أو أحدهما، فكل شيء وارد». وضمن السعي لمحو آثار التوتر تتداول منذ أمس في نواكشوط تسريبات غير مؤكدة مفادها احتمال عزل وزيرة الخارجية الموريتانية الحالية ضمن تعديل جزئي للحكومة بحيث يجري تحميلها ما جرى من تسرع في طرد الدبلوماسي الجزائري ليساهم هذا في طي هذه الأزمة التي جاءت في توقيت سيء.
غير أن محللا سياسيا مقربا من دوائر القرار في نواكشوط استبعد أن يقوم الرئيس الموريتاني بهذا الإجراء في وقت قريب لأن ذلك سيجعله يعترف بخطأ لا يرى أنه ارتكبه، وبخاصة أن التحقيقات والاعترافات التي حصل عليها الأمن الموريتاني تؤكد تورط بلقاسم شرواطي في الصرف على نشر التقرير المسيء للمملكة المغربية.
وفيما يخص التأجيج فقد كان من أبرزه مداخلة الصحافية الجزائرية عبده حده حازم رئيسة تحرير صحيفة «الفجر» في برنامج حواري أخير في قناة بي. بي.سي حيث اتهمت الصحافية «المملكة العربية السعودية بالوقوف خلف التوتر القائم بين موريتانيا والجزائر، وذلك ضمن ما تعتقد الصحافية أنه «معاقبة سعودية للجزائر على موقفها من عاصفة الحزم في اليمن، وعلى العلاقات الممتازة بين الجزائر وجمهورية إيران التي باتت أكبر عدو للنظام السعودي».
ولم تستبعد الصحافية الجزائرية في مداخلتها الحادة «أن يكون للمغرب دور في ما آلت إليه الأمور بين موريتانيا والجزائر بحكم التوتر المزمن القائم بين الجزائر والمغرب، ومساعي المغرب للتشويش على الحوار الجاري بين الأطراف المالية والذي تقود الجزائر وساطته الدولية».
وكانت ردود الصحافي الموريتاني سيد أحمد ولد باب في حواره عبر الـ بي بي سي مع الصحافية حازم، حادة حيث وصف اتهامات الصحافية الجزائرية بأنه «غرور غير مؤسس على منطق، وأنه من البساطة أن تفسر قرارات دولة ذات سيادة بمزاج أنظمة أخرى داخل المنطقة أو خارجها، مهما كان دورها الفاعل في الساحة الدولية وعمق العلاقة بها»، مذكرا «الصحافية الجزائرية بأن نواكشوط تربطها هي الأخرى علاقات وطيدة بطهران».
وقال «إن الحكومة الموريتانية قدمت تفسيرا للحادث يمكن الركون إليه، من خلال اتهام الدبلوماسي الجزائري بالتدخل لنشر أخبار هدفها الإساءة لعلاقات موريتانيا الخارجية، وأن موريتانيا هي صاحبة القرار، لكن ليس من الوارد أن تقرر لها دولة أخرى ما يجب أن تعمله تجاه هذا الطرف أو ذاك».
لكن الأطرف في البرنامج كان التفسير الذي قدمه الصحافي المغربي محمد أحمد عده حول الموضوع نفسه في حوار مع تلفزيون «بي بي سي» والذي أكد فيه «أن الحكومة الموريتانية تسعى للتحرك صوب المملكة المغربية بفعل الجفاف الذي يضرب المناطق الشرقية من موريتانيا»، مبرزا «أن الرهان الوحيد أمام موريتانيا هو التوجه للمغرب باعتباره البوابة الوحيدة التي يمكن أن يستورد منها النظام الموريتاني المؤن لشعبه في ظل الجفاف القائم».
وتحت عنوان «صحافة المخابرات توقع بين الشقيقتين» أكد موقع أتلاتتيك ميديا المقرب من الحكومة الموريتانية في افتتاحيته ليوم أمس «أن الصحافة الجزائرية تريد لقضية طرد المستشار الأول في السفارة الجزائرية في نواكشوط بلقاسم الشرواطي أن تسير بغير مجراها الصحيح، ولكنها عبثا تحاول بذلك ، فلن يضر علاقات موريتانيا مع أي دولة مجاورة ما تقوم به صحافة المخابرات الجزائرية من حفر في الظلام، حيث أن الحكومة الموريتانية بررت موقفها من قضية الطرد، ولا مبرر لتبادل الصفعات الدبلوماسية بين بلدين شقيقين تجمعهما العروبة والإسلام».«ثم إن هجوم صحافة المخابرات الجزائرية على الدولة الموريتانية، يضيف الموقع، هجوم لا مبر له ولن تقبل موريتانيا لصحافة المخابرات الجزائرية أن تثير بينها الضغائن مع جارتها المملكة المغربية وستفشل الصحافة الجزائرية في زرع الخلافات بينهما فعلاقاتنا الخارجية جيدة مع جميع الدول المجاورة».
وخلصت اتلانتيك ميديا في آخر الافتتاحية للتأكيد بأنه «مهما أسيل من حبر وأثير من لغط وكتب من حروف، فإن الشعبين الجزائري والموريتاني سيبقيان إخوة تجمعهما العروبة والاسلام ولا شيء يشوب علاقتهما».
ومع أن المقالات التي نشرها الكتاب الموريتانيون حول التوتر كانت تصب في المصالحة والدعوة لتجاوز الأزمة فقد ساهم مقال للصحافي الجزائري سعيد رابية نشر في صحيفة «الوطن» في التأجيج الإعلامي لما اشتمل عليه من حدة.
فقد دافع الصحافي الجزائري عن موقف الجزائر مؤكدا أن قرارها مجرد استخدام لحق المعاملة بالمثل، فيما انتقد بشدة موقف موريتانيا ومن عليها استقبال الجزائر لرئيسها ومحو الجزائر لديونها.
وأضاف سعيد رابية «المؤكد أن الرئيس ولد عبد العزيز هو بنفسه من اتخذ قرار طرد الدبلوماسي الجزائري يوم 22 نيسان / ابريل، والقرار ليس خطأ وإنما هو قرار مدروس بعناية».
وحمل الصحافي الجزائري المغرب المسؤولية عن «دفع موريتانيا نحو توتير العلاقة مع الجزائر لأن حكومة الرباط غير مرتاحة لعودة الجزائر إلى عمقها الإفريقي».
«لقد قبلت موريتانيا، يضيف الصحافي الجزائري، أن تخضع لرغبات المغرب الساعي للهيمنة على غرب إفريقيا فأضرت بجارها الذي لم يبخل عليها بالمساعدات خلال الأزمات التي عرفتها فمحطات البنزين التي أقامتها شركة «نافتال» في موريتانيا أفلست بسبب الديون غير المدفوعة ومحو الديون لم ينتج عنه لا اعتراف بالجميل ولا احترام للجزائر».وتابع الصحافي سعيد تحليله الحاد قائلا « بهذا القرار الذي اتخذته تظهر موريتانيا أنها باتت منصاعة للأجندات التي تمليها عليها المملكة المغربية».
وختم سعيد رابية تحليله مؤكدا أن «أولى الانعكاسات السلبية للقرار الموريتاني قد ظهرت من خلال اجتماع وزراء الداخلية المغاربة الذي أوفدت له المغرب وحدها وزيرها للداخلية فيما مثلت البلدان الأخرى بمستويات أقل».
وكانت تعليقات القراء الجزائريين المنشورة أسفل المقال في موقع صحيفة «الوطن» حادة حيث كتب أحد المعلقين « هذه نتيجة معاملة من تسمونهم الأشقاء.. اقطعوا العلاقات معهم. إنهم لا يفيدوننا بأي شيء».
هذا ولم تغب مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الحدث حيث اشتعل جدل كبير حوله عبر التغريدات والتدوينات. وكانت التدوينة التي أدرجها أمس المدون النشط محمد الأمين الفاظل أبرز ما نشر في هذا المضمار حيث قال «ما نتمناه فعلا : هو أن تحتفظ بلادنا بعلاقات جيدة ومتوازنة مع الجارتين الشقيقتين : الجزائر والمغرب، فما كان يحصل في الماضي هو أن تتحسن علاقتنا مع واحدة من الشقيقتين على حساب الثانية، وكانت في بعض الأحيان تمر بنا أوقات وعلاقتنا جيدة مع الشقيقتين».وأضاف «ما يحدث الآن : وهذا مما يقلق هو أن علاقتنا قد ساءت بالشقيقتين، وفي الوقت نفسه..فعلاقتنا الآن بالمغرب وبالجزائر ليست على ما يرام».
عبد الله مولود نواكشوط – «القدس العربي»