صرخة وطن على مهب الريح

أربعاء, 12/17/2014 - 13:37

إثنان وخمسون سنة  مضت من عمر هذا الوطن هاهي السنة الثالثة والخمسون تتبخر شهرا تلو الآخر  ليصل بنا عداد الزمن إلى نقطة البداية  بداية النهاية لنجد أنفسنا نعيش الماضي نستحضر من خلاله بطولات وتضحيات إستطاعت ان تبقى خالدة في أذهاننا رغم عاديات الزمن من تحريف وتزييف  وإهمال ، تمضي سنة تلو الأخرى ونجدد البيعة بيعة الذكرى والوفاء ، بيعة الفخر والإعتزاز  ، نعم نقف وقفة إجلال وإحترام وتقدير لتلك الأبطال لكي نتأمل في تلك الوطنية نقوس في معالمها بعيدا لتكشف لنا عن ذلك الغز الذي سحر كتاب ومؤلفين عبر مر الزمن .

أجل إثنان وخمسون سنة مضت   ياوطني  من عمرك اليافع نعم  منذ ذلك الحلم الجميل الذي بدأ مع رفرفة علمك عاليا يصدع في عناء السماء انا حـــر أنا حــر ، لا يزال كل شيء ثابتا في مكانه ، بـدو قاطنين او رحل، سكان أحياء شعبية مليئة بأناس بسطاء يشربون في أكس شائ حتى الخمول في سمر عادي وبسيط ،غير بعيد عن خريطة تلك الأحياء تجد أحياء راقية تحتضن ثلة من القوم المحترمين يناقشون مشاريعهم المقبلة أو سيدات مجتمع يتباهين بثرائهم الفاحش ، وبين هذا وذاك يفضفض سائقو سيارات الأجرة  بأريحية مطلقة فيشتمون كل شيء ويحكون أي شيء، الأسواق على أشكالها عامرة،  المؤسسات التربوية تعيش تارة حالة ضياع ونفور وتارة أخرى تلعب سكينة والوقار دورهما في كبح جماح ذاك الإستاء حتى ولو كان نتيجة حكم جائر أو فساد متفشى ، بيوت الله عزل وجل  أيضا مليئة بالمؤمنين الأوفياء  ولله الحمد .. أناس أبرياء  يموتون من شدة البرد والجوع ، سياسيون يتنازعون حول الظهور في سباق أيهما يصل الأول إلى ساحة إبن عباس هو ذاك سباق ودي لاخسارة للخاسر فيه ولافوز للفائز فيه أيضا ، يسبون بعضهم البعض في البرلمان أثناء البث المباشر أو المسجل ويتصالحون بعد ذلك ، رئيس الوزراء مستاء جدا من بنيتنا التعليمية الفاسدة في نظره .. رجال أعمال يتعرضون للتصفية، لايعرف أحد الصدق من الكذب ، التلفزيون العمومي  لازال تقليدي الأداء لازالت  نفس الوجوه تظهر، صحافتنا المستقلة هي الأخرى لازالت تكتب بحذر عن كل شيء، الصحفيون يكتبون على جدرانهم في الفيسبوك أكثر مما ينشرون في جرائدهم ،الرياضة لازالت تخفق، حركات تطالب بإطلاق سراح العبيد من وهم العبودية ، والموسيقى تحتل المشهد ، والمثقفون ينظرون من بعيد وكأنهم في سبات عميق ، حوادث السير تتضاعف وأيضا شهية جرائم القتل مفتوحة على الآخر في الآونة الأخيرة ، والدولة ترسل مساعدات إلى سوريا ووترحب بإخواننا الآجئين الماليين ، الأسعار في إرتفاع متواصل وسريع والإضرابات متصاعدة في جميع القطاعات ، السماء أجل سمائك ياوطني متجهمة وأجساد مواطنيك منهكة تظل تركض طول اليوم من أجل تحصيل لقمة عيش مرة، الباصات وشاشات قنواتنا الحرة مليء بالحكايات الحزينة والأوهام ، مسلمون من مشارق الأرض ومغربها يقصدون محاظرنا العتيقة لمعرفة مختلف العلوم ، مساحاتك الشاسعة ياوطني تباع أو يتم وهبها للأشخاص نالو المحبة و الرضا  بحجة صفقات الدولة ، أطفال رضع يوضعون على عتبات المستشفيات والمساجد، العاطلون يحكون عن مآسيهم بصدق ،المدن الفقيرة تشكو حزنا وتهميشا، ليل المدن الصاخبة يلفظ الأثرياء من الكازينوهات والمقاهي الليلية ،القضاء العادل يقول كلمته بحزم كما هي العادة، المرفق الثقافي تحول إلى فضاء من لافضاء له  حيث غيبت القيمة  وضاع الهدف .
لا يختلف اثنان على أن الحياة في الجماعات و داخل العمل الجماعي تسير في اتجاه معاكس تماما في هذا الوطن حيث إن ذلك ليس ما كنا نحلم به كمواطنين و نصبوا له الجميع يتحسر و يتأسف لحال لوطننا اليوم ، فالكل يتذكر مهرجانات منتخبينا الكرام  حيث كان المرشحون يحيون الليالي و الأيام و يداومون التواجد و المرافقة للمواطنين و المناقشات وذلك أملا في إستجداء أصواتنا فكانوا يعتصمون بأحيائنا رافعين شعارات من قبيل التجديد و المستقبل الزاهر و الأمل القريب يطوفون علينا بمناشيرهم و بلاغات أقوالهم و برامجهم المستقبلية للنهوض بأوضاع وطننا ويأتي وقت و ينتهى" الكرنفال الانتخابي " ، حيث أزال المشاركون معه آخر أقنعتهم ليظهروا للعموم بوجوههم الحقيقة .
صعقت لآمال وتبخر ذلك الحلم لدى المواطنين ولم يبقى  أحد يزور أحياء  قد زارها من قبل وقطع لها عهود، ولكن أنت ايها المواطن  أجل أنت  المسؤول  بالدرجة الأولى فأنت من أخترت فتحمل نتائج إختياراتك ، إن أردت فتدارك الأمر و علم من إخترت أن يصحح مساره ويرجع إلى طريق الصواب  برفع صوتك  عاليا منتقدا بذلك ما آلت إليه أوضاع بلدك فهو أمانة في عنقك ، نعم يغير المسار والإتجاه بالسير في الإتجاه الصحيح الذي يتطابق ومكانتك كإنسان حق له أن يعيش عيشة كريمة وبوطنك إيمانك الذي يجب المحافظة علية وتقديره .
ياوطني .. إنهم الساسة و السياسة ، سياسة تعلمها  مسؤولينا مقرونة بالخداع و الإحتيال صحيح إنها" اللعبة القذرة" كما يقال و المفروض على الكل لعبها  بأخلاقياتها مهما كانت النتائج لقد قيل عن أحد المفكرين "السياسة و العدالة ضدان لا يجتمعان و إن إجتمعا لا يمتزجان" إن العدالة اسم من أسماء الله الحسنى لا تتنصر إلا للحق و الجمال فيها ،أما السياسة فهي لعبة الحسابات و المصالح النفعية التي تدوس الحق و الجمال أليست اللعبة القذرة كما قلنا سالفا وما نقوله يتطابق وكل المناصب التمثيلية من الحكومة إلى البلديات صحيح أن الطبع غلب التطبع.
الكل يتحدث عن الفساد و يشير بالأصابع إلى المفسدين الذين يعيثوا في الأرض فسادا كل يوم تحت قناع الغطاء الجماعي أو البرلماني ... و بالقيم السياسية ذاتها التي ذكرناها و لا من أحد يحرك ساكنا لأن اللعبة محبوكة جيدا و منسوجة بقوة القانون الذي استغل في غير محله حتى أصبحنا نشاهد مليشيات الفساد تصول و تجول ومع أن بعض المرشحين يوزعون عن طواعية تصريحات خطيرة حول ما يمارس من تجاوزات و إنزلاقات داخل أروقة الجماعات التي هم فيها أعضاء ومع ذلك ينخرطون في اللعبة كأن شيئا لم يحدث و كأنه قرار محتوم ، وحتى أن البعض من المواطنين البسطاء  أصبحوا يتسابقون نحو المناصب بهدف المشاركة في تلك اللعبة وكأنها غنيمة حرب لكل واحد نصيب ...
  فإلى أين نمضي ؟ و إلى متى سنبقى جميعا بلا مواقف ؟  أم أن الموقف الوحيد هو الموقف  النفعي  ؟
إذا كنت أتحدث هنا فأنا خارج إطار اليمين أو اليسار، لست في  الفوق أو في الأسفل بل أنا داخل إطار المصلحة العامة و التطلع إلى مستقبل دافق بالآمال يرسم الآمال بألوان العدل و الأخلاق،  سئمنا  نعم سئمنا مستقبلا مبنيا للمجهول نبتغي مستقبلا متطورا مبنيا للمعلوم نبنيه لبنة لبنة نسموا به و نطوره وأيضا  نساهم في رسم معالمه  بالعلم والعمل وبالجد والكفاح الصادق والمثابرة وبتمسكنا بأخلاقنا الحميدة لنستطيع تحويل العمل السياسي إلى فاعل منتج مبني على الأخلاق الحسنة وليس العكس .
ياوطني .. الكــل يحــاول حـل كلماتــك المتقاطـعة ، كلمات هي في حدها ذاتــها صرخات إستغاثة .