يعرف المشهد السياسي منذ الحملة الرئاسية الأخيرة وما بعدها هدوءا لم يسبق له مثيل ومرونة غير مسبوقة في تاريخ بلدنا من قبل كل الأطراف السياسية اللاعبة في الميدان السياسي.
وهذا السكون الملاحظ والبرودة في الأعصاب كان هو السمة البارزة والسائدة خلال الحملة الرئاسية الأخيرة، حيث لوحظ تركيز كل الأطراف المتنافسة على كرسي الرئاسة على شرح برامجها الإنتخابية، ومحاولة إقناع الناخبين وكسب ودهم.
وقد أتخذ الرئيس الحالي في تلك الفترة مسلكا مغايرا لما تعودنا عليه في الحملات الماضية حيث أنه طيلة تلك الحملة لم يقم بمهاجمة خصومه من المعارضة، ولم يتهمهم بأية تهمة، بل ركز على عرض وشرح برنامجه الإنتخابي، وكان يقوم في أكثر من مناسبة بإرسال رسائل تفيد بأن الجميع أبناء لهذا الوطن ولهم عليه حقوق، كما ان للوطن عليهم واجبات، وبأن الساحة السياسية تتسع للجميع وأن الطريق الأسلم والوحيد هو اليد الممدوة وإنتهاج سنة الحوار بين مختلف الطيف السياسي مهما أختلف وتباينت آراؤه.
ولقد كانت المعارضة من جانبها ممثلة بمرشحيها تنتهج نهجا وسطيا، وصف بالمرن والهادئ وهو نهج مخالف لما سبقه في الفترات الماضية كذلك، حيث كنا نسمع ونرى في السابق أشياء يرفضها العقل من السب والتجريح والخطاب العنيف والمعادي والمخالف لكل المبادئ والأخلاق والنظم المتعارف عليها محليا وحتى دوليا.
وما إن أنتهت الحملة وحصل ما حصل وفاز الرئيس الجديد محمد ولد الشيخ الغزواني حتى تواصلت فترات من الصمت اللا متناهي والهدوء اللا مسبوق في المشهد السياسي عموما وأصبح الجميع في ترقب وأنتظار، بدأت الأنظار تتجه إلى ما هو قادم ويتساءل الجميع ماذا بعد؟
وبعد تشكيل الحكومة الجديدة ونيلها لثقة البرلمان، وخروج الرئيس من القصر وقيامه بأول نشاط محلي من خلال تدشين المقر الرسمي الجديد للمجلس الدستوري، ولقائه بعدة شخصيات وازنة من الطيفين الساسيين الموالي والمعارض، ومع أولى رحلاته خارج أرض الوطن للمشاركة في بعض القمم الدولية حتى بدأت ماكنة الإصلاح تتحرك وبدأت الساحة السياسية تنتفض من سباتها العميق وصار هناك حراك محموم من هذا الطرف أو ذاك، ولقاءات وإتصالات هنا وهناك.
ونشير هنا إلى ان أهم حدث قد ميز المرحلة الحالية من تاريخ الحكم في البلاد هو قيام السيد الرئيس بتنفيذ التزاماته السياسية من خلال فتح الباب أمام اللقاءات بالقصر، وقد التقى سيادته لحد الآن بعدد من القيادات المعارضة من رؤساء أحزاب وشخصيات وطنية بعضها كان مترشحا للرئاسيات الأخيرة، ومن بين هذه الشخصيات التي التقاها الرئيس بالقصر الرئاسي: السيد احمد ولد داداه رئيس حزب تكتل القوى الديمقراطية RFD ، السيد محمد ولد مولود رئيس حزب إتحاد قوى التقدم UFP ومرشح رئاسي، والسيد عبد السلام ولد حرمه رئيس حزب الصواب، والسيد بيرام ولد الداه اعبيد رئيس منظمة إيرا ومرشح رئاسي، والسيد محمد محمود ولد سيدي رئيس حزب تواصل، والسيد سيد محمد ولد بوبكر مرشح رئاسي، وفي ذات الصدد فقد التقى السيد الرئيس كذلك بعدة شخصيات أخرى من الطيف الموالي كرئيس لجنة تسيير حزب الأتحاد من أجل الجمهورية سيدنا عالي ولد محمد خونه، ورئيس حزب "عادل" يحي ولد أحمد الوقف، والقيادي السياسي محمد محمود ولد أمات.
وإذا كانت هذه الإتصالات تدخل في إطار تنفيذ برنامج السيد الرئيس بما يتعلق بسنة الحوار والتشاور الدائم مع مختلف الطيف السياسي، فإنها حسب المراقبين تعتبر خطوة هامة جدا لمواصلة تلطيف الأجواء وأستغلال الفرص المتاحة لما يبدو من حسن النيات والتقارب في وجهات النظر بين الجميع موالين ومعارضين من جهة، والرئيس والطيف السياسي من جهة أخرى كما أتضح ذلك من خلال تصريحات بعض من من التقاهم وإنطباعاتهم الإيجابية عن اللقاء، وذلك بغية البحث عن الحلول المناسبة لكافة القضايا السياسية العالقة وتجاوزها إلى تحقيق الأهداف التنموية الكبرى من خلال إصلاح التعليم وتحسين الظروف المادية والمعنوية للعاملين به، وتقريب الخدمات الصحية والمياه الصالحة للشرب والكهرباء، وتوفير سبل العيش الكريم والأمن والرفاه لكافة المواطنين، وتحقيق تنمية مستدامة شاملة لتقدم البلد وأزدهاره.
بقلم: مولاي إدريس ولد العربي