استمر في موريتانيا على نطاق واسع الانشغال العام بانتشار الأدوية المزورة التي تمثل نسبة كبيرة من المواد الصيدلية المستهلكة في البلاد.
وجاء هذا الانشغال بعد تسجيل عدد كبير من الوفيات واكتشاف إصابات بعدد من الأمراض الناجمة عن استهلاك مواد طبية مزورة.
ودق الدكتور نذير حامد وزير الصحة الجديد المنغمس في إصلاح قطاع الصحة، ناقوس الخطر محذرا من الفوضى التي تعم المجال الدوائي والصيدلاني الوطني.
وأكد في تصريح “أنه قدم لمجلس الوزراء بيانا يتعلق بتأمين البلد بالأدوية والمستلزمات الطبية النظيفة، عبر اعتماد نظام جديد يقوم على تجميع كافة الطلبات المتعلقة بالأدوية والمستلزمات الطبية ومركزتها وعرضها على مجموعة من الموردين المنتقين على أساس جودة مواردهم والخدمات التي يقدمونها”.
وأكد في شروح للصحافة “أنه سيتم فتح صفقة مع المورد الذي سيتم اختياره وستوحد جميع الاستيرادات في صفقة واحدة وتشكل لجنة مشتركة بين الدولة والخصوصيين لمناقشة جميع مقترحات الموردين الوطنيين والأجانب والاطلاع على جودة أدويتهم وعلى أسعارها”.
وأوضح أن المورد المختار يجب أن يكون قادرا على ضمان الجودة وخفض الأسعار، في الوقت الذي ستكون الوكالة المركزية لشراء الأدوية والتجهيزات والمستلزمات الطبية هي نقطة توريد وتوزيع جميع الادوية على الصيدليات وعلى جميع المراكز الصحية في عموم البلاد.
وبينما اتجهت الحكومة للسيطرة على فوضى توزيع الأدوية، وقررت المساجد الموريتانية توحيد خطبة الجمعة حول حرمة تزوير الأدوية، تابع المدونون الموريتانيون المتابعون للشأن العام ضغوطهم على الحكومة للتحقيق في هذا الملف، ومتابعة إصلاحه، ومحاسبة جميع من ساهم من قريب أو بعيد في تزوير الأدوية المستهلكة في البلاد.
وكان الإعلامي والمدون البارز الهيبة الشيخ سيداتي، أبرز من قاد حملة التدوين الداعية لتعميق معالجة هذه القضية الشائكة.
وأكد سيداتي في سلسلة تدوينات خصصها للموضوع “أن عجز الدولة عن معاقبة المزورين وكبار موردي الأدوية المزورة وتقديمهم للمحاكمة يجب ألا يدفعها لاحتكار الدواء لدى شركة عمومية في جهاز إداري مترهل”.
وقال: “أخشى ان يزيد احتكار وكالة “كامك” لبيع الأدوية من المضاربات وتهريب الدواء من البلد وإليه”، مبرزا “أن الدولة سبق أن احتكرت استيراد المواد الغذائية الأساسية لشركة “سونمكس” وكانت النتيجة هي إفلاسها، واحتكرت بيع الكهرباء لشركة “صوملك” وهي الآن منهكة بالفساد والمديونية”.
وقال: “الزمن الاقتصادي الحالي ليس زمن الاحتكار الاقتصادي لشركات الدولة، فالزمن زمن المنافسة الاقتصادية الحرة والصرامة في تطبيق العقوبات”.
وأضاف المدون سيداتي: “في موريتانيا هناك إجماع على انتشار الأدوية المغشوشة المضرة بالصحة وتتم تعبئة الإدارات الحكومية للحد من هذا الانتشار وعُبئ خطباء الجمعة للحديث عن هذا الخطر وحق لهم ذلك، لكن المريب في الأمر هو أن هذه الجريمة بلا مجرمين، فلا يوجد اليوم في السجن متهم أو مدان بتهمة البيع والمساهمة في الاتجار بالأدوية المغشوشة، ولم يصل للعدالة خلال العشرية الماضية سوى ملف واحد أفرج عن أغلب أفراده قبل المحاكمة، وهو في الأصل ملف تهريب أدوية توزع مجانا على مخيمات اللاجئين الماليين على الحدود بين موريتانيا ومالي، وبيعها في نواكشوط، وجهة المتابعة والإبلاغ هي الشرطة الدولية “الانتربول” وليس الشرطة الوطنية”.
مالم تنفذ عقوبات رادعة ضد بائعي الدواء المزور فإن كل الإجراءات الأخرى تظهر مزيدا من عجز الدولة في وجه كبار مهربي الدواء المغشوش وستكون فاعليتها محدودة زمانيا ومكانيا.
وذكر المدون “أنه في عام 2010 تعاقدت شركة “كامك” الموريتانية لتوزيع الأدوية مع المختبر الوطني التونسي لمراقبة الأدوية ومواد التجميل، من أجل مراقبة جودة الأدوية التي تستوردها ومطابقتها للمواصفات العالمية المطلوبة في الدواء، وفي نفس العام كان رد المختبر التونسي أن بعض العينات التي أحيلت إليه من المركزية لشراء الأدوية الموريتانية “كامك” غير مطابقة للمواصفات العلمية للدواء، وذلك في بيانات تسلمتها المركزية للدواء، ورغم التأثير الخطير للأدوية المزورة، والتي من بينها حسب مصدر صحي مختص أن تسبب لمن يتعاطاها مرض السرطان، فإن المركزية أفرغت كل تلك الحاويات في السوق الموريتانية، وسابقت الزمن خلال الأعوام 2010، 2011، 2012، 2013 للتخلص منها قبل انتهاء صلاحيتها ضاربة عرض الحائط برأي المختبر التونسي الذي أنفقت على استشارته أموالا طائلة”.
وفي تدوينة أخرى تناولت هذا الموضوع، أكد القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور “أن النقاش الدائر اليوم حول قطاع الصحة وموضوع الأدوية بالذات يفرض منهجية جديدة لأن الأمر يتعلق بصحة الناس وحياة الناس وهنا لابد من الاعتراف بوضعية قطاع الصحة المؤلمة والمحتاجة لإصلاح جدي، يكون الشمول فيه والجرأة ووضوح خطة الإصلاح والصرامة أهم من قرارات جزئية يشك البعض في تحضيرها على النحو المناسب”.
وقال: “كثيرة هي المؤشرات التي تشير إلى جدية الوزير وخبرته في المجال ولكن طمأنة الناس في أمر تتعاطاه يوميا وآثاره السلبية بادية للعيان أمر مقلق وفيه شبه مما كان، فقطاع الصحة أيها القوم، يضيف المدون، لا يتحمل وسبق أن أوضحت أن الصحة الاستعراضية طغت فيه على الصحة القاعدية وذاك أمر بالغ الخطورة، وإصلاحه يحتاج إرادة قوية لا تهزها اللوبيات وكتل المصالح، وخطة متكاملة تعطي الأولوية للنتيجة ولو على حساب الصورة ومتابعة مستمرة لا تكل ولا تتردد وفريقا فاهما يجمع بين الكفاءة والاستقامة، وهو موجود، لا تعوق طريقه بالتدخلات والعراقيل”.
هذا وسبق لمعهد البحث المضاد لتزوير الأدوية الفرنسي (IRACM) أن أكد في تقرير أخير له “عن نشاط مهربي الأدوية في منطقة تشمل موريتانيا ومالي وتشكل مصدرا كبيرا لغالبية الأدوية المزورة الموزعة في غرب افريقيا”.
وأظهر تقرير المعهد الفرنسي “أن تزوير الأدوية في موريتانيا يتفاقم بشكل مذهل منذ عام 2004 تاريخ صدور قانون جديد يسمح لكل موريتاني بافتتاح صيدلية لبيع الأدوية بشرط حصوله على اعتماد من حامل شهادة في الصيدلة”.