علقت صحف عربية، بنسختيها الورقية والإلكترونية، على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانسحاب القوات الأمريكية من مواقع شمال شرقي سوريا لتفسح الطريق أمام عملية عسكرية تركية ضد قوات مسلحة ذات قيادة كردية.
وتحدث عدد من كُتّاب الرأي عن الرابحين والخاسرين من قرار الرئيس الأمريكي حالَ تنفيذه، وعن تداعياته التي يرون أنها تتعدى شرق الفرات إلى شرق المتوسط والخليج وإيران وموسكو.
وبينما وصف أحد الكُتّاب ما يحدث من تخلي أمريكا عن الأكراد وتفاهم روسيا مع الأتراك بأنه "مهرجان خيانة"، أكد آخر أن "أوراق اللعبة" ستصب في صالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
حشد تركي على الحدود السورية: أنقرة تدفع بتعزيزات استعدادا لعملية عسكرية "وشيكة"
انسحاب القوات الأمريكية من سوريا: الأكراد السوريون "يبحثون إجراء محادثات مع الحكومة" بعد قرار ترامب
"الهروب الأمريكي الكبير"
يرى عدلي صادق في "العرب" اللندنية أن "التدخل التركي في سوريا، لم يكن لسواد عيون السوريين، أو من أجل حريتهم، وإنما كان يتعلق حصراً بالإجهاز على المتمردين الأكراد والاستحواذ على سوريا لو استطاع".
ويصف الكاتب ما يحصل من الولايات المتحدة تجاه الأكراد وتفاهم روسيا مع الأتراك بأنه "مهرجان خيانة".
ويقول صادق: "ترامب يخون الأكراد فيتذمر البنتاغون من الخيانة ويتباطأ في الانسحاب. والأكراد، للأسف، لا يتعلمون. فها هم أمام حقيقة صادمة، قوامها أن أقصى ما قالته وزارة الدفاع الأمريكية هو التعبير عن حيادها وعن النأي بالنفس بخصوص العملية العسكرية التركية، التي يمكن أن تبيدهم ... لكن ترامب، صاحب المبادرة إلى التخلي عن الأكراد، لم يجد أمامه للتنفيس عن غضبه من أردوغان سوى التهديد بتدمير الاقتصاد التركي".
ويضيف: "روسيا كذلك تخون سوريا بالتفاهم مع الأتراك لكي يتوغلوا في أراضيها، مثلما حدث في عفرين. فالتفاهمات تتقاطع بينما الأجندات تتصادم. وموسكو تتشفى في الأكراد الذين تحالفوا مع الأميريكيين، وتلوّح لهم بالعصا والجزرة؛ إما أن يبيدكم الأتراك أو أن تفتحوا الطريق لقوات النظام السوري لكي تدخل إلى مناطق وحداتكم بموجب تسوية تتوصلون إليها معه، وتنسوا حكاية 'سوريا الديمقراطية'".
وبالمثل، يصف عبد الله عبد السلام في "الأهرام" المصرية موقف الرئيس ترامب بأنه "الهروب الأمريكي الكبير".
ويذكر أمثلة سابقة لانسحاب أمريكا، قائلاً: "فعلتها من قبل بفيتنام عام 1973، عندما سحبت قواتها لتسقط سايجون بأيدي الشيوعيين عام 1975، ثم عاودت الكرّة مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 لتترك الشاه يتسول لجوءاً سياسياً رفضت منحه له ليعيش بمصر حتى وفاته. وهي الآن تحاول النفاد بجلدها من أفغانستان بالتفاوض سراً مع طالبان، والذي لولا تزامنه مع هجوم دموي لطالبان ما كشفه ترامب واضطر لإلغائه".
ويقول الكاتب إن "كل رئيس أمريكي يتخذ قرار الحرب أو الانسحاب وعينه على الناخب ولا يعنيه مصير أتباعه وأدواته من القوى المحلية. ولذلك ليس غريباً أن أهم مبرر ساقه ترامب بشأن الانسحاب أن هذا وعد انتخابي".
ويرى عبد السلام أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الأكثر دهاءً، والذي تصب كل التطورات في صالحه سواء الانسحاب الأمريكي أو بتحالفه مع تركيا وإيران ووجوده بقوات كبيرة على الأرض لدعم النظام، أي أن أوراق اللعبة معه".
"الخاسر الأول"
وترى "القدس العربي" اللندنية أن مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء إعلان أنقرة أنها أنهت الاستعدادات لعملية عسكرية في شرق سوريا "بمثابة خلاصة لحال التذبذب التي تعيشها الاستراتيجية الأمريكية في سوريا من جهة أولى، وكذلك من حيث تقدير العلاقة مع تركيا إجمالاً وبخصوص السياسات التركية في الملف السوري من جهة ثانية".
وتقول الصحيفة في افتتاحيتها إنه "حتى هذه الساعة لا يبدو واضحاً أن أنقرة تمارس لعبة تهديد كلامية فقط، لأن الاستعدادات العسكرية الميدانية بدأت منذ أسابيع وهي تجري اليوم على قدم وساق، والبرلمان التركي لن يتردد في منح الحكومة التخويل اللازم للبدء في عملية واسعة النطاق شمالي سوريا".
وتضيف: "صحيح أن الأهداف المعلنة للعملية تشير إلى ضرورة إقامة منطقة آمنة ... إلا أن الهدف الأكبر من وراء العملية هو ذاك الذي أوضحه اردوغان مراراً وتكراراً حول إخراج المسلحين الأكراد من مناطق متفاوتة العمق داخل الشمال السوري".
وتؤكد الصحيفة أنه "قد يكون من المنطقي ترجيح صفقة تفاهم بين واشنطن وأنقرة تم الاتفاق عليها خلال المكالمة الهاتفية التي جمعت اردوغان وترامب، وأن الخاسر الأول سوف تكون القوى الكردية التي تحالفت مع البنتاغون شرق الفرات، وراهنت عن خطأ على أن واشنطن سوف تمنع هذه العملية وتفرض حماية صريحة للمسلحين الأكراد في وجه الجيش التركي".
ويرى عريب الرنتاوي في "الدستور" الأردنية أن "تداعيات قرار ترامب ... تتعدى شرق الفرات إلى شرق المتوسط والخليج وإيران وموسكو. وربما هذا ما يفسر حالة 'الهدوء' التي تسيطر على دمشق وطهران وموسكو، فهذه الأطراف، تعرف تمام المعرفة، أنها ستكون في صدارة قائمة 'الرابحين' من هذا القرار".
ويضيف الرنتاوي: "حلفاء واشنطن وأصدقاؤها، هم وحدهم من يتقلبون على جمر تقلبات سياستها الخارجية، ويدفعون أبهظ الأثمان لـ'حكمة' رئيسها التي لا تُضاهى، كما قال هو نفسه في وصف حاله وتمجيد قراراته".
ويؤكد الكاتب أن "قراراً كهذا سيصب القمح صافياً في طاحونة روسيا وإيران وتركيا (ثلاثي أستانا) فضلاً عن دمشق وحلفائها من دول ومنظمات 'لا دولاتية'".