موريتانيا بلد منتجٌ للغاز.. الأمر لم يعد "شائعة" ولا "نكتة" ولا حلم يراود الموريتانيين الذين لطالما شكوا الفقر والعسر وصعوبة الحياة.. نعم، دخلت موريتانيا مرحلة جديدة والتحقت بنادي الدول المنتجة للغاز الطبيعي، إذ أنّ كل شيء يدل على وجود مخزونات جوفية كبيرة في مياهها، بما يؤمن حاجاتها على مدى 30 - 50 سنة، ويحقق لها فوائض مالية وتجارية ضخمة قابلة للتصدير إلى الأسواق العالمية.
والأمر هكذا، فإننا حكومة وشعبا مطالبون كل من موقعه بتحرك جادّ ومسؤول لتحويل الحلم إلى واقع مع ما يقتضيه ذلك من تغيير في العقليات والمسلكيات والممارسات.. وعلى رئيس الجمهورية خاصة والحكومة والبرلمان والنخبة عامّة رسم خطط واضحة تضمن العدالة والشفافية في استخدام العائدات المالية الضخمة التي سوف تتأتى من استخراج الغاز.
هل ستكون موريتانيا "قطر" أو "كويت" جديد؟ هل نصدق؟ الله تعالى أعلم،،، بالنظر إلى الوضع القائم والتجارب السابقة مع الحديد والذهب والنحاس والسمك، فلا أحد يستطيع القطع ب"نعم"! ذلك أنّ مشكلة موريتانيا لم تكن أبدا في شح الموارد الطبيعية،،، بل كانت دوما في "حكامتها" او "محكوميتها" السياسية واقتصادها "الريعي" القائم على الكسب المجاني، والمنفعة الرخيصة والسريعة، واحتقار العمل، وتمجيد الكسل، وتبخيس الكفاءة، وإعلاء شأن التبعية والخنوع،،،
إن الموارد الطبيعية الموجودة بكثرة منذ فجر الاستقلال لم تنفع البلد بسبب نظام "زبوني" لا يفكر فاعلوه خارج نسق الغنائم والإكراميات في ظل حكامة سياسية وإدارية تجعل "العلاقات" و"الأشخاص" أهم من المؤسسات، وتبرر الوقائع والأشياء بالامتياز لا بالحق والاستحقاق.
ولهذه الأسباب، هناك من يقول بأنّ الغاز سيذهب حتما إلى حيث ذهب الحديد والذهب والنحاس والسمك والفوسفات.. بمعنى أنه لن ينفع البلد، وقد يكون وبالا عليه (لا قدر الله) إن بقيت البنية السائدة تعتمد على العلاقات الزبونية والأسرية والطائفية لتحصيل منافع وبناء مكانات ووضعيات بعيدا عن أي استحقاق مشروع.
لن ينفعنا الغاز إن بقيت خيرات البلد مجرد "غنائم" وأدوات هيمنة وإخضاع بيد الحاكم، يطوّع بها المعارض، ويستجلب بها الراغب في القرب، ويحافظ بها على الموالي.. لن ينفعنا الغاز ولا النفط إن بقي الحاكم بمثابة "العاطي" ، "المانح" الذي يجود بالصفقات والإكراميات، ويوزّع المساحات و"النيمروات، ويتصدق بالرواتب والمراتب والمناصب من غير عمل ولا مجهود..
ولكن، بالمقابل هناك من يقول بأن التغيير بدأ فعلا، وأنّ أي شيء لن يكون كما كان! ويستند هؤلاء إلى احترام الدستور وتداول السلطة وتهدئة الساحة السياسية وتغليب لغة الحوار والانفتاح وما تمّ من لقاءات ومصالحات؟ ..ويقولون، والحق يقال، نعم! هناك أملٌ كبيرٌ في أن تقطع الدولة وملأها مع عقلية "الغنيمة" و"الزبونية" المسنودة إلى "مفهوم "اتفكَريش" و"اتكَوْبين" و"السلب"، إلخ،،، كما أنّ الأمل كبيرٌ في أن تقطع النخبة مع "السلبية" الدائمة، و"التشكيك" في الإرادات، وإساءة الظن بالمسؤولين، وتوزيع التهم جزافا،،، إنه الأمل إذن!