في مقابِل حملات التّشكيك التي يقودها غلاة العلمانية في بلاد المسلمين، والتي وصلت ببعضهم إلى حدّ التّشكيك في وجود الخالق سبحانه، استنادا إلى بعض النّظريات المتهالكة، فإنّ الأوساط العلمية في العالم الغربيّ، تتّجه بخطى متسارعة لتُشيّع الإلحاد إلى مثواه الأخير، على إثر سقوط النّظريات التي كان الملحدون يتشبّثون بها، وتوالي الاكتشافات العلمية التي أجبرت أشدّ المدافعين عن الإلحاد على الإذعان والتّسليم بوجود خالق عليم حكيم لهذا الكون.
وقد بدأت الكتابات تتوالى في السنوات الأخيرة مؤكّدة وجود هزّة عنيفة في أوساط أساطين الإلحاد في هذا العالم، ومن ذلك المقال الذي كتبه الباحث الأمريكي "إريك ميتاكساس" ونشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بتاريخ 24/ 12/ 2014م، والذي أكّد بأنّ الأبحاث العلمية الجديدة، تتّجه بشكل متسارع إلى الاعتراف بوجود خالق للكون، وأنّ الملحدين وجدوا أنفسهم أمام حقائق علمية تدحض بكلّ قوة الدّعوى التي طرحها بعض العلماء في ستينيات القرن الماضي بأنّ العلم سيُغني البشرية عن الاعتقاد بوجود الخالق، ونقل "ميتاكساس" تصريحات عدد من علماء الغرب الذين اعترفوا بأنّ معتقداتهم الإلحادية بحاجة إلى مراجعة، منهم عالم الفضاء والرياضيات البريطانيّ "فريد هويل"، الذي قال إنّ إلحاده تعرّض لهزّة عنيفة بسبب هذه التّطوّرات، ثم كتب بعد ذلك يقول: "إنّ التفسير المعقول لهذه الحقائق يقترح أنّ قوة ذكية خارقة قد تلاعبت بالفيزياء وكذلك بالكيمياء والأحياء.. إنّ الأرقام النّاجمة عن هذه الحقائق تبدو لي دامغة جداً إلى درجة تضع هذا الاستنتاج فوق الشّبهات". ومن جانبه، قال عالم الفيزياء النظرية، البريطاني "بول دافيس" إنّ الدّلائل على حدوث الخلق دامغة. وقال الأستاذ في جامعة أكسفورد، الدكتور "جون لينوكس": "كلّما ازدادت معرفتنا بالكون، تعزّزت النظرية القائلة بوجود الخالق، واكتسبت المزيد من المصداقية كأفضل تفسير لوجودنا هنا".
وتأتي هذه التّصريحات لتُضاف إلى سلسلة اعترافات سابقة لأساطين الإلحاد في هذا العالم، الذين عادوا أدراجهم وأعلنوا إذعانهم للحقيقة التي خضع لها الوجود، حقيقة وجود خالق لهذا الكون، ويأتي على رأس هؤلاء الفيلسوف البريطاني المشهور "أنطوني فلو" (ت: 2010م) الذي كان من أشرس المدافعين عن الإلحاد، وقضى 50 سنة من عمره ينافح عنه، وألّف 30 كتابا ينظّر له، ليعود قبل وفاته بثلاث سنوات ويعتذر لتلامذته ويؤلّف كتابه "هناك إله".
الإلحاد يترنّح
الإلحاد يترنّح على وقع الضّربات القوية التي تلقّاها بسبب الاكتشافات العلمية الحديثة، بل أصبح على فراش الموت والاحتضار. وما هي إلا سنوات قلائل، حتى يصبح محلّ سخرية البشرية جميعا، وضربا من ضروب الخرافة والأساطير التي لا يقبلها عاقل. وصدق الله القائل: ((سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)).. لقد وجد علماء الغرب أنفسهم أمام كون بديع في صنعه، دقيق في حركته، لا يمكن لمخلوق أن يجد فيه مكانا للعبث أو الصّدفة، ((فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)).
العلماء الذين وضعوا نظرية الانفجار العظيم (Big Bang ) لنشأة الكون، وجدوا أنفسهم عاجزين مذهولين مشدوهين أمام ذلك الجرم الصّغير الذي نجم عنه الانفجار ثمّ توسع بشكل مفاجئ، ثم بدأت ذرات المادة بالتشكل بنظام شديد الإحكام، وبعد ذلك تشكّلت النّجوم الأولى ثم المجرّات، وعبر مليارات السنين سارت عملية تطور الكون بقوانين دقيقة محكمة، لو حدث فيها خلل صغير لما كانت الحياة على وجه الأرض. ((أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30) وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (31) وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32))).
الملحد لا يمكن أن يكون عالما
يقول "أنطوني فلو" في كتابة "رحلة عقل"، ص81: "عندما قرأت أوّل مرّة، كفيلسوف ملحد، عن نظرية الانفجار الأعظم، التي تصدّت لتفسير وجود الكون، أدركت أنّي أواجه نظرية مختلفة، نظرية تتماشى مع ما يطرحه الدين، في بداية خلق السّماوات والأرض، وإذا كان الأمر كذلك، فلم يعد هناك مفرّ من البحث عمّن أحدث هذه النّهاية".
وهي القراءة التي اضطرّ إلى الميل إليها العالم الفيزيائي البريطاني "ستيفن هوكينج" صاحب النّزعة المادية الإلحادية، حيث طعن في الإلحاد في كتابه "تاريخ موجز للزمن": ص 122، قائلا: "طالما أنّ للكون بداية فحتما لا بدّ من خالق". أمّا العالم الفيزيائي الكنديّ "هيوغ روس"، فقد نفى أن تكون للإلحاد أيّ علاقة بالعلم، وأكّد أنّ الإلحاد لم يعد سوى مكابرات فلسفية، وكتب يقول: "عندما أبحث عن إلحادي لأناقشه أذهب إلى قسم الفلسفة في الجامعة؛ لأنّه لم يبق في علم الفيزياء شيء يدلّ عليه".. الحقيقة ذاتها قرّرها أستاذ الرياضيات التطبيقية والفلك، البريطاني "تشاندرا كراماسنغي" بقوله: "تعرّض دماغي لعملية غسيل هائلة كي أعتقدَ أنّ العلوم لا يمكن أن تتوافق مع أيّ نوع من أنواع الخلق المقصود، ولكنّي الآن لا أستطيع أن أجد أي حجة يقبلها العقل تستطيع الوقوف أمام دلائل قدرة الخالق حولنا؛ الآن ندرك أنّ الإجابة المنطقية الوحيدة لظهور الوجود هي الخلق وليس الخبط العشوائي غير المقصود". أمّا العالم "روبرت مليكان"، الحائز جائزة نوبل في الفيزياء، فقد ذهب إلى أبعد من هذا حينما قال: "بالنسبة إلي، من غير الوارد أنّ ملحدا حقيقيا يمكن أن يكون عالما".
وعلى صعيد علم الأحياء يقول عالم الكيمياء الحيوية، الأمريكي "مايكل بيهي": "على مدى الأربعين سنة الماضية اكتشفت علوم الحياة أسرار الخلية، واستلزم ذلك من عشرات الآلاف من الأشخاص تكريس أفضل سنوات حياتهم، وتجسَّدت نتيجة كلّ هذه الجهود المتراكمة لدراسة الخلية في صرخة عالية تقول: إنّه التصميم المُوَجَّه الرشيد؛ وهو ما يؤدي حتماً إلى التسليم بوجود الخالق المُبدع".
الإلحاد مرض نفسيّ
لقد أصبح الإلحاد مجرّد مكابرات فارغة، لا تستند إلى علم ولا عقل ولا منطق. وقد اعترف كثير من العلماء بأنّ النّزوع إلى الإلحاد ما هو في حقيقة الأمر إلا خضوع لعقد ونزوات نفسية، كثيرا ما تكون مرتبطة بظروف النّشأة. يقول أستاذ الطب النّفسيّ في جامعة نيويورك "بول فيتز" في كتابه "منظور التقصير الأبوي": "إنّ نسبة كبيرة من الملحدين، سبب إلحادهم هو إما أسلوب نمط الشدّة في التربية، مثل "كارل ماركس" و"فرويد"، أو إنّ والديهم تُوفّوا في الصغر مثل "جان بول سارتر". وقد اعترف "بول سارتر" كما في كتاب "وداعا سارتر" بأنّ السبب الحقيقي لإلحاده هو أحداث جرت في طفولته".
وربّما يكون النّزوع إلى الإلحاد والإصرار عليه بسبب الحقيقة التي يخشى الملحد مواجهتها عندما يتخلّى عن مكابراته، يقول المحامي "كيث"، أحد أكثر المتحمّسين لنظرية التطوّر: "إنّ نظرية النشوء والارتقاء غير ثابتة علمياً، ولا سبيل إلى إثباتها بالبرهان، ونحن لا نؤمن بها إلا لأنّ الخيار الوحيد بعد ذلك هو الإيمان بالخلق الخاصّ المباشر، وهذا ما لا يمكن حتى التفكير فيه"!
الملاحدة يفرّون من المناظرات
المكابرات التي يصرّ عليها بعض المتعصّبين المتشبّثين بالإلحاد، اضطرّتهم إلى أن يتواصوا بترك المناظرات العلمية، لأنّها أدّت إلى زعزعة أوساطهم، وتسبّبت في إذعان كثير من أساطينهم للحقيقة؛ فمنذ مطلع السبعينيات، وبدء المناظرات العلمية، اضطرّ مئات العلماء الذين كانوا من أنصار نظرية التطوّر والارتقاء إلى التخلّي عنها، والانضمام ليس فقط إلى أنصار نظرية التّصميم، بل أذعن عشرات منهم لحقيقة الخلق المباشر، ما جعل علماء كبارا من منظّري الداروينية، مثل "ستيفن جاي قولد" و"إسحاق إيسيموف"، يصرخون بأنّه يجب على التطوريين أن يتوقفوا عن المناظرات بعد أن خسروا أكثر من 100 مناظرة.
أحمد ديدات يُفحم ملحدا
سأل أحد الملحدين الشّيخ أحمد ديدات: ما هو شعورك لو متّ واكتشفت أنّ الآخرة كذب؟ قال: ليس أسوأ من شعورك إذا متّ واكتشفت أنّ الآخرة حقيقة.