يعيش الموريتانيون منذ أشهر على أعصابهم وهم ينتظرون حوار "مأمورية" ولد عبد العزيز الثانية تماما كما كان حالهم وهم ينتظرون حوار ما بعد انقلابه على رئيس منتخب وبعده بفترة حوار "مأموريته" الأولى.
لكن حوار هذا العام له خصوصيته التي تميزه عن سابقيه ؛ إذ يتناقض، تماما، ما يريد منه كل طرف مع ما يريده الطرف الآخر، و مع ذلك فهما يريدان التحاور و يوهمان الرأي العام أنهما قد ينجحان في ذلك بل و يتوصلان إلى اتفاق يرضى به كل منهما.
فمحمد ولد عبد العزيز وفسطاطه يريدان من الحوار أن يتمكنا، دون اللجوء إلى الوسائل القذرة من بقاء الجنرال في السلطة لمأمورية ثالثة، تفتح على رابعة و ربما على خامسة وحتى على أكثر من ذلك و الأعمار بيد الله. فالرجل ورهط الداعمين له لا يتصورون البلاد دونه هو في سدة الحكم !
أما المنتدى و شيعته من المعارضين، فيريدون من الحوار أن يمكنهم من إخراج ولد عبد العزيز من القصر ولو بعد انقضاء "مأموريته" الأخيرة وتشتيت حاشيته في غياهب التشرد بعيدا عن فلك السلطان، ولو لحين.
الحوار عند هؤلاء استدراج للخصم إلى الحلبة أولا ودون مقدمات، ثم إلى زاوية منها تمكنهم من الاستفادة من قوة العدو لحشره في مضيق الاستسلام للأمر الواقع والقبول بالهزيمة دون مقاومة تذكر.
و الحوار عند أولئك محاولة لإنهاك قوى المنافس في راوندات تجري خارج الحلبة تتكشف خلالها جميع الأوراق وتتضح قواعد النزال حتى تتحقق الندية مع الخصم قبل الصعود إلى الحلبة ويصبح من السهل التغلب عليه.
لذا، فهؤلاء يصرحون بقبول جميع شروط أولئك ويتظاهرون بالقابلية للهزيمة حتى يستدرجوهم ؛ فلا خطوط حمراء عندهم ولا محظورات ؛ فأساس الخطة التي رسموها للفوز بما يرومون من اللعبة هو أن يصعد الخصم إلى الحلبة. لا غير ! لكنهم لا يتنازلون عن شيء؛ و لا يناقشون أمرا إلا في إطار الحوار. لأن الحوار، بالنسبة لهم، بمثابة مصيدة، تدخلها الفريسة مطمئنة و تخرج منها على هوى الصياد.
أما أولئك فيعاندون في الصعود إلى الحلبة. فهم يفاوضون لتحقيق أكثر عدد من التنازلات من الخصم، حتى يضمنوا إمكانية النجاة بأنفسهم من المصيدة في حال وقعوا فيها : يفاوضون على حرمان ولد عبد العزيز من الكتيبة الرئاسية لأنهم متأكدون من أن الرجل بدونها لن يستطيع الاستمرار في السلطة حتى في حال أسفر الحوار عن السماح له بالترشح ثالثة ؛ يفاوضون على فتح وسائل الإعلام أمام الجميع لأنهم واثقون أن ولد عبد العزيز يحقق بالاستئثار بها ما تبقى من ضمانات السلطة بعد الكتيبة الرئاسية والمال ؛ و هذا الأخير أيضا موضع تفاوض بالنسبة للمنتدى ؛ حيث يحرص على تصريح الجنرال بممتلكاته ووضع سقف لمصاريف الحملات الانتحابية.
و من اللافت أن محمد ولد عبد العزيز وفسطاطه يتهربون، وكل القرائن تشير إلى ذلك، من أي التزام أو إجراء يحرمهم من بقاء رئيسهم في السلطة بينما المنتدى لا يراهن إلا على احتمال واحد : أن لا يبقى ولد عبد العزيز في السلطة بعد 2019 كأقصى أجل.
فلماذا بتحاور هؤلاء و أولئك إذن يا ترى؟
مواطن عادي