لم ينجح التدخّل العسكري الأجنبي في منطقة الساحل الأفريقي، في وقف تنامي التهديد الإرهابي والجريمة المنظّمة والتحديات التي تواجهها المنطقة، خصوصاً أنها باتت مركزاً رئيسياً للتنظيمات المسلحة الناشطة حالياً بعد تفكيك تنظيمات أخرى وطردها من المناطق التي كانت تسيطر عليها في الجزائر وليبيا ومصر والمشرق العربي. على الرغم من ذلك، تبقى المنطقة محط اهتمام إقليمي ودولي، في ظل غناها بالثروات الطبيعية، وقربها جغرافياً من أوروبا ما يجعلها وجهة لهجرة سرية كبيرة، لتصبح المنطقة محط أنظار كل الدول الساعية لتحقيق أمنها واستقرارها ومصالحها خارج حدودها الجغرافية، خصوصاً الدول الأوروبية التي ترى أن أمن الساحل وتطوره يعني استقرار أوروبا وخلوها من الإرهاب.
وبينما لم يجلب التدخّل الخارجي في الساحل، سواء كان فرنسياً أو أميركياً أو أممياً، الاستقرار إلى المنطقة، يبرز توجه راهن نحو إحلال القوة العسكرية المشتركة من جيوش المنطقة مكان القوة الفرنسية والأممية وذلك بعد رفع عديدها من 5 آلاف جندي إلى 20 ألفاً. ومع هذا التوجه، تتجه الأنظار إلى موريتانيا، العضو في منظمة دول الساحل (التي تضم أيضاً بوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد)، والتي تشترك في حدود برية طويلة (2200 كيلومتر) مع مالي، إحدى أكثر دول الساحل عرضة للهجمات الإرهابية، ويوجد على هذه الحدود إقليم كيدال الخاضع لسلطة المتمردين والذي نزح منه نحو موريتانيا 53 ألف لاجئ مالي منذ بدء الصراع عام 2012، ولا يزال هؤلاء يعيشون في مخيمات أقامتها مفوضية اللاجئين في شرق موريتانيا.
وتسعى نواكشوط، التي سبق أن عانت من الإرهاب ومن أتون الصراعات العرقية والقبلية الآتية من منطقة الساحل، إلى المساهمة الفعلية في أمن واستقرار منطقة الساحل لضمان جوار مستقر خالٍ من تجارة الأسلحة والإرهاب، فكيف ستساعد موريتانيا في أمن واستقرار المنطقة؟
تُعتبر موريتانيا العضو في مجموعة الساحل، البوابة الأطلسية الوحيدة لمنطقة الساحل، كما أنها الدولة العربية الوحيدة من دول الساحل، ما يجعلها محوراً أساسياً في عملية التواصل مع الداعمين للمجموعة وعنصر ضغط لصالح الحصول على تمويلات أكبر للمنظمة من الدول العربية وأيضاً من أوروبا باعتبارها الأقرب جغرافياً لأوروبا والأكثر معاناة في مراقبة سواحلها من تدفق المهاجرين من شباب دول الساحل نحو أوروبا.
وتملك موريتانيا جيشاً قوياً من حيث العدد والعتاد، كما أن سياستها الدفاعية والأمنية عرفت تطوراً كبيراً في السنوات العشر الأخيرة، عكس باقي دول المجموعة التي أُنهكت جيوشها بسبب المواجهات المستمرة مع الجماعات المسلحة، ودخول المليشيات إلى الجيش بعد اعتماد خطة إدماج المسلحين السابقين، ما ترتب عليه ضعف المهنية والولاء العسكري.
إضافة إلى ذلك، فإن القيادة الجديدة في موريتانيا معنية أكثر من غيرها بقضية استقرار الساحل وتطمح لإيجاد حلول سريعة لأمنه، على اعتبار أن الرئيس الموريتاني الجديد، محمد ولد الغزواني، الذي بدأ ولايته الرئاسية الصيف الماضي، مرشح لأن يخوض انتخابات لولاية أخرى، وبالتالي قد يبقى في الحكم لعشر سنوات، فيما تنتهي بعد أشهر قليلة الولايات الرئاسية لباقي رؤساء دول الساحل لأسباب متعددة.
كما يعد الرئيس الموريتاني أكثر رؤساء دول الساحل قرباً واهتماماً بملف الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، بسبب خلفيته العسكرية، فقد تدرج في المناصب الأمنية والعسكرية حتى أصبح رئيس أركان الجيش ثم وزيراً للدفاع، ونجح في إصلاح المؤسسة العسكرية وخاض حرباً شرسة ضد التنظيمات المسلحة التي لم تستطع شنّ أي هجوم إرهابي على الأراضي الموريتانية منذ عام 2011 عكس باقي دول الساحل التي تعاني جراء توالي الهجمات الإرهابية.
نواكشوط ــ سكينة إبراهيم للموقع العربي